باب من ترك مالا فلورثته
بطاقات دعوية
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يؤتى بالرجل الميت عليه الدين فيسأل هل ترك لدينه من قضاء فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه وإلا قال صلوا على صاحبكم فلما فتح الله عليه الفتوح قال أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي وعليه دين فعلي قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته. (م 5/ 62
حرَصَ الإسلامُ على المُحافظةِ على حُقوقِ النَّاسِ الماليَّةِ، فأمَرَ بقَضاءِ الدُّيونِ وعدَمِ المُماطَلةِ فيها.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أبو هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يُؤتَى بالرَّجلِ الميِّتِ عليه الدَّينُ، أي: للصَّلاةِ عليه صَلاةَ الجنازةِ؛ وذلك أنَّ صَلاةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَحمةٌ وشَفاعةٌ للميِّتِ، والمعنى: أنَّه كان مُقترِضًا مالًا زمَنَ حَياتِه، ولم يَرُدَّه لِصاحبِه حتَّى مات، فَيَسأَلُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «هل ترَكَ لدَينِه مِن قَضاءٍ؟» أي: هل في تَركَتِه ومالِه ما يسُدُّ عنه دَينَه؟ فإنْ أُخبِرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ الميِّتَ قد ترَكَ ما يَقْضي عنه دَينَه، «صَلَّى عليه»، وإنْ أخبَروه أنَّه لم يَترُكْ ما يَقْضي به دُيونَه «قال: صَلُّوا على صاحبِكم»، أي: تَولَّوا أنتُم الصَّلاةَ عليه دُوني.
فلمَّا فتَحَ اللهُ سُبحانه على رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الفُتوحَ -وهذا كِنايةٌ عن كَثرةِ المالِ مِن الغَنائمِ ونَحوِها- قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «أنا أَولى بالمُؤمِنين مِن أنفُسِهم»، أي: أنا أحقُّ بهم وأقرَبُ إليهم. وقيل: معنى الوِلايةِ: النُّصرةُ والتَّوليةُ، أي: أنا أتولَّى أُمورَهم بعدَ وَفاتِهم، وأنصُرُهم فوقَ ما كان منهم لوْ عاشُوا، فأنا أوْلى في كلِّ شَيءٍ مِن أُمورِ الدِّينِ والدُّنيا، فمَن مات وعليه دَينٌ ولم يَترُكْ لها ما يَكْفي لِقضائهِ، فدُيونُه أقْضِيها عنه، وكان يُصَلِّي عليه، «ومَن ترَكَ مالًا فهو لِوَرثَتِه»، فيُوزَّعُ بيْنهم بحسَبِ الأَنصبةِ الشَّرعيَّةِ.
وفي الحَديثِ: التَّأكيدُ على قَضاءِ الدُّيونِ، وعدَمِ التَّأخُّرِ في أداءِ الحُقوقِ لأهلِها، وكذلك التَّحذيرُ مِن عدَمِ تَرْكِ ما يُسَدُّ به الدَّينُ بعدَ الموتِ.
وفيه: بَيانُ شَفقةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على المُسلِمينَ.
وفيه: أنَّ الدَّينَ مُعلَّقٌ برَقَبةِ المَدينِ بعْدَ مَوتِه حتَّى يُقْضى عنه.