باب من جمع الصدقة وأعمال البر 1
بطاقات دعوية
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أصبح منكم اليوم صائما قال أبو بكر أنا قال فمن تبع منكم اليوم جنازة قال أبو بكر أنا قال فمن أطعم منكم اليوم مسكينا قال أبو بكر أنا قال فمن عاد منكم اليوم مريضا قال أبو بكر أنا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة. (م 3/ 92
مِن مَعالِمِ التَّوجِيهِ والتَّربِيَةِ النَّبويَّةِ: أنَّه يَلفِتُ العُقولَ والأنظارَ إلى مُرادِه بالسُّؤالِ؛ لِيَنتَبِهَ الحاضِرون؛ لأنَّ لكلِّ سُؤالٍ منه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم مَغْزًى وهَدفًا يُعرَفُ بعْدَ تَوضيحِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وتَجْلِيَتِه لِمُرادِه مِنَ السُّؤالِ.
ويُرشِدُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في هذا الحديثِ إلى بَعضِ الفضائلِ الَّتي تكونُ سَببًا في دُخولِ الجنَّةِ لِمَنِ اجتَمَعَتْ فيه؛ فيَرْوي أبو هُرَيرةَ رَضِي اللهُ عنه أنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم سَأَل أصحابَه الَّذين كانوا في مَجلسِه: «مَن أصبَحَ منكم اليومَ صائمًا؟ قال أبو بَكْرٍ رَضِي اللهُ عنه: أنا»، وأجاب بـ«أنا» لِلتَّعيِينِ في الإخبارِ لا للاعتِدادِ بنَفْسِه كما يُذكَرُ في مَقامِ المُفاخَرَةِ، ثُمَّ أَردَفَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم هذا السُّؤالَ بأسئلةٍ أُخرَى استِكمالًا لتَوضيحِ أسبابِ دُخولِ الجنَّةِ، فقال: «فمَن تَبِعَ منكم اليومَ جِنازَةً؟» بالصَّلاةِ عليها، والسَّيرِ معها حتَّى دَفْنِها، فأجاب أبو بَكْرٍ رَضِي اللهُ عنه: «أنا»، فسَأل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «فمَن أَطْعَمَ منكم اليوْمَ مِسكينًا؟» فأشْبَعَه وأعطاهُ ما يَحتاجُه مِن الطَّعامِ، والمسكينُ هو الشَّخصُ الَّذي لا يَجِدُ ما يَكْفِيه، فأجاب أبو بَكْرٍ رَضِي اللهُ عنه: «أنا»، فسَأل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «فمَن عادَ مِنكم اليومَ مريضًا؟» فأجاب أبو بَكْرٍ رَضِي اللهُ عنه: «أنا»، فكلُّ الخِصالِ والأفعالِ الَّتي سَأَل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عنها، أجاب أبو بَكْرٍ رَضِي اللهُ عنه أنَّه قدْ فَعَلها، فاجتَمَعَتْ كلُّ هذه الأفعالِ الطيِّبةِ في أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِي اللهُ عنه في يومٍ واحدٍ، وهذا يدُلُّ على ما كان عليه أبو بَكرٍ رَضِي اللهُ عنه مِن الحرصِ على فِعلِ جَميعِ أنواعِ الطَّاعاتِ وتَتبُّعِه أبوابَها واغتنامِ أوقاتِها، وكأنَّه ما كان له همٌّ إلَّا في طلَبِ ذلك والسَّعيِ في تَحصيلِ ثَوابِه.
فأخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: أنَّه إذا اجتمَعَت هذه الخِصالُ الأربعةُ وحَصَلت في يوْمٍ واحدٍ مِن إنسانٍ، دَخَل الجنَّةَ، يَحتمِلُ أنْ يكونَ المرادُ: دخَل الجنَّةَ بلا مُحاسَبةٍ ولا مُجازاةٍ على قَبيحِ الأعمالِ، وإلَّا فمُجرَّدُ الإيمانِ يَكفِي لدُخولِ الجنَّةِ ولو عُذِّبَ العاصي في النَّارِ بمَعصيتِه، فمآلُ أمرِه دُخولُ الجنَّةِ ما دام مُوحِّدًا، أو مَعناهُ: دخَل الجنَّةَ مِن أيِّ بابٍ شاءَ، واللهُ أعلَمُ.
وفي الحديثِ: فَضْلُ الأعمالِ الصَّالحةِ؛ مِنَ الصِّيامِ، والصَّدَقَةِ، وإطعامِ المساكينِ، وزيارةِ المريضِ، وأنَّها خِصالٌ وأفعالٌ تكونُ سَببًا في دُخولِ الجنَّةِ.
وفيه: بَيانُ اتِّصافِ أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِي اللهُ عنه بالفَضائِلِ، وهذا مِن مَناقبهِ رَضِي اللهُ عنه.
وفيه: بيانُ ما كان عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم مِن التَّفقُّدِ لأحوالِ أصحابِه وإرشادِهم إلى فِعلِ الخيرِ على اختلافِ أنواعِه.