باب من فضائل الخضر عليه السلام
بطاقات دعوية
فقال: موسى بني إسرائيل قال: نعم قال: هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا قال إنك لن تستطيع معي صبرا يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علم علمكه لا أعلمه قال: ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا فانطلقا يمشيان على ساحل البحر، ليس لهما سفينة فمرت بهما سفينة، فكلموهم أن يحملوهما، فعرف الخضر، فحملوهما بغير نول فجاء عصفور فوقع على حرف السفينة، فنقر نقرة أو نقرتين في البحر فقال الخضر: يا موسى ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا
كنقرة هذا العصفور في البحر فعمد الخضر إلى لوح من ألواح السفينة فنزعه فقال موسى: قوم حملونا بغير نول، عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها قال: ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال: لا تؤاخذني بما نسيت فكانت الأولى من موسى نسيانا فانطلقا، فإذا غلام يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر برأسه من أعلاه فاقتلع رأسه بيده
في هذا الحديث يحكي سعيد بن جبير أنه سأل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن موسى صاحب الخضر، وأنه قد زعم نوف البكالي -وهو تابعي من أهل دمشق، فاضل عالم، لا سيما بالإسرائيليات، وكان ابن زوجة كعب الأحبار- أنه ليس بموسى رسول بني إسرائيل، فكذبه ابن عباس رضي الله عنهما، وأجاب سعيدا بأنه هو موسى النبي المرسل إلى بني إسرائيل، ثم أخبره بحديث عن أبي بن كعب رضي الله عنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم في قصة موسى عليه السلام والخضر، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه بينما نبي الله موسى في جماعة من بني إسرائيل، جاءه رجل فسأله: هل تعلم أحدا أعلم منك في الأرض؟ فنفى موسى عليه السلام بظنه أن يوجد أحد أكثر علما منه؛ لأنه نبي ويوحى إليه، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه، وقيل: جاء هذا تنبيها لموسى صلى الله عليه وسلم وتعليما لمن بعده، ولئلا يقتدي به غيره في تزكية نفسه والعجب بحاله، فيهلك، فأوحى الله عز وجل إليه: أنه يوجد من هو أعلم منك ممن آتاه الله علما من عنده غير ما أوحاه لك، وهو عبد اسمه خضر، وهو عند «مجمع البحرين»: وهما بحر فارس مما يلي المشرق، وبحر الروم مما يلي المغرب. وقيل: مجمع البحرين عند طنجة في أقصى بلاد المغرب.فسأل موسى: كيف يصل إليه؟ قال الله تعالى: اطلبه على الساحل عند الصخرة، قال: يا رب، كيف لي به؟ قال: تأخذ حوتا في مكتل -وهو القفة- فإذا فقدت الحوت فارجع إلى موضع فقده؛ فإنك ستلقاه، فقيل: أخذ سمكة مملوحة، وقال لفتاه: إذا فقدت الحوت فأخبرني. فلما وصلا عند الصخرة على البحر، وضعا رؤوسهما وناما، فخرج الحوت من الوعاء في غفلة منهما، ودخل في ماء البحر وذهب، وكان ذلك لموسى وفتاه عجبا، حيث إن الحوت ردت إليه الروح وانسل من الوعاء ودخل الماء، ثم توقف الماء به، ثم انطلقا بقية ليلتهما ويومهما، فلما أصبح قال موسى لفتاه وخادمه يوشع بن نون: آتنا غداءنا لنأكل؛ فقد وجدنا تعبا بسبب السفر، ولم يجد موسى شعورا بالتعب حتى تجاوز المكان الذي أمر به؛ ليلقى الخضر، فقال الخادم لموسى: {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره}، وذلك أنهما بعد راحة على البحر نسي الخادم الحوت، ثم سارا لفترة، فلما تذكر الفتى الخادم ذلك أخبر به موسى عليه السلام، فقال له: «ذلك ما كنا نبغي فارتدا على آثارهما قصصا»، فرجعا يتتبعان الأثر حتى وصلا إلى المكان الذي فقدا فيه الحوت، فوجدا الخضر وهو مغطى بثوبه، فسلم عليه موسى، فقال الخضر: «وأنى بأرضك السلام؟ وهو استفهام استبعاد يدل على أن أهل تلك الأرض لم يكونوا إذ ذاك مسلمين، وفي رواية عند مسلم: «فقال موسى للخضر: السلام عليكم، فكشف الثوب عن وجهه، وقال: وعليكم السلام»، ويجمع بين الروايتين بأنه استفهمه بعد أن رد عليه السلام.فطلب منه موسى عليه السلام أن يتبعه؛ ليتعلم من علمه، ولكن الخضر أوضح له أنه لن يستطيع أن يصبر على ما سيراه؛ وذلك لاختلاف العلم الذي يعلمه كل منهما، وكله من عند الله، فوعده موسى عليه السلام أنه سيتحلى بالصبر، ولن يعقب معه على شيء من أفعاله، فمشيا على ساحل البحر، فمرت بهما سفينة، فطلبا من أصحابها أن يحملوهما، فعرفوا الخضر فحملوهما بغير أجرة إكراما له.ثم جاء عصفور، فجلس على حرف السفينة، فنقر بمنقاره نقرة أو نقرتين، فأخذ من ماء البحر، وكان في ذلك مثل أوضحه الخضر لموسى بأن علم كل واحد منهما لا يساوي في علم الله إلا كنقرة هذا العصفور في البحر، ثم نزع الخضر لوحا من ألواح السفينة يقصد بذلك أن يعيبها، فتعجب موسى عليه السلام من فعله، خاصة بعد إكرام أهل السفينة لهما، وسأل الخضر عن سبب ذلك، فقال له الخضر: {ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا}؟ فاعتذر موسى عليه السلام، فكانت المرة الأولى من موسى نسيانا، ثم خرجا من السفينة، فوجدا فتى صغيرا يلعب مع الغلمان، فأمسك الخضر برأسه من أعلاه، فاقتلع رأسه بيده، دون سبب أو جناية واضحة، وهنا تعجب موسى أيضا، وخرج من شرط الصبر، وسأله متعجبا عن ذلك؛ فقد قتل نفسا بريئة بغير ذنب وبغير قتل وقع منها، وهذه المرة الثانية لعدم صبره عليه السلام، ثم مشيا ودخلا قرية، فطلبوا الطعام والضيافة من أهلها، فرفضوا، ومع ذلك فإن الخضر لما وجد جدارا مائلا قد قارب على الوقوع، أقامه وعدل بناءه حتى لا يسقط، فقال له موسى: لو شئت لاتخذت عليه أجرا نظير بنائه، وهذه المرة الثالثة لعدم صبر موسى عليه السلام، وكان هذا فراق ما بينهما، فافترقا بعد أن بين له الخضر الحكمة من كل ذلك، كما جاء في قول الله تعالى: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا * وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا * فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما * وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا} [الكهف: 79 - 82].ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يرحم الله موسى، لوددنا لو صبر» وهو بيان لرغبته صلى الله عليه وسلم أن يلتزم موسى عليه السلام بشرط الصبر مع الخضر حتى يقص علينا من الأعاجيب والغرائب التي كانت ستصاحبهما في رحلتهما.وقد تبين لموسى عليه السلام بعد ذلك مدى علم الخضر بما أعلمه الله من الغيوب وحوادث القدرة، مما لا تعلم الأنبياء منه إلا ما أعلموا به من الخالق عز وجل
وفي الحديث: احتمال المشقة في طلب العلم
وفيه: الازدياد في العلم، وقصد طلبه، ومعرفة حق من عنده زيادة علم، وفضيلة طلب العلم، والأدب مع العالم
وفيه: لزوم التواضع في طلب العلم، وخدمة طالب العلم لمعلمه إذا كان أصغر منه
وفيه: أصل عظيم من الأصول الشرعية، وهو أنه لا اعتراض بالعقل على ما لا يفهم من الشرع، وأن لا تحسين ولا تقبيح إلا بالشرع
وفيه: الاعتذار عند المخالفة. وفيه: الحكم بالظاهر حتى يتبين خلافه
وفيه: أن الكذب هو الإخبار على خلاف الواقع، عمدا أو سهوا
وفيه: إذا تعارضت مفسدتان يجوز دفع أعظمهما بارتكاب أخفهما