باب من قاد دابة غيره في الحرب
بطاقات دعوية
عن أبي إسحاق: قال رجل للبراء بن عازب رضي الله عنه: [يا أبا عمارة! 3/ 220] أفررتم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين؟ قال [البراء- وأنا أسمع- 28/ 4]: لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفر، إن هوازن، [وبني نصر]؛ كانوا (وفي رواية: لا والله، ما ولى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكن ولى سرعان الناس. وفي أخرى: ولكنه خرج شبان أصحابه وأخفاؤهم حسرا ليس بسلاح، فاتوا 3/ 233) قوما رماة [ما يكاد يسقط لهم سهم]، وإنا لما لقيناهم حملنا عليهم، فانهزموا، فأقبل المسلمون على الغنائم، واستقبلونا بالسهام، [فرشقوهم رشقا ما يكادون يخطئون، فأقبلوا هنالك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -]، فأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يفر، فلقد رأيته وإنه لعلى بغلته البيضاء، وإن أبا سفيان أبن الحارث، آخذ بلجامها، (وفي رواية: بزمامها. وفي رواية: برأس بغلته البيضاء 5/ 99)، [فلما غشيه المشركون؛ نزل، [واستنصر] فجعل] يقول: "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب"، [ثم صف أصحابه]، [فما رئي من الناس يومئذ أشد منه]
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أشجَعَ النَّاسِ، وكان أصحابُه رِضوانُ اللهِ عليهم خَيرَ الفُرسانِ، وأصبَرَهم عِندَ لِقاءِ العَدُوِّ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التَّابِعيُّ أبو إسحاقَ عَمرُو بنُ عَبدِ اللهِ السَّبيعيُّ أنَّه لَمَّا سَأَلَ رَجُلٌ اسمُه قَيسٌ مازِحًا -كما في رِوايةِ أحمَدَ- البَراءَ بنَ عازِبٍ رَضيَ اللهُ عنه، فقال له: أفَرَرتُم يا أبا عُمارةَ -وهي كُنيةُ البَراءِ- في غَزوةِ حُنَينٍ؟ وكانَتْ سَنةَ ثَمانٍ مِنَ الهِجرةِ، وحُنَيْنٌ وادٍ إلى جَنبِ ذي المَجازِ، قَريبٌ مِنَ الطَّائِفِ، وبيْنه وبيْنَ مَكَّةَ بِضعةَ عَشَرَ مِيلًا مِن جِهةِ الشَّرائِعِ والسَّيلِ الكَبيرِ، وقِيلَ: سُمِّيَ حُنَينًا؛ نِسبَةً إلى رَجُلٍ يُدعى حُنَينَ بنَ قابِثةَ.
وكان السُّؤالُ على الإطلاقِ بما يَشمَلُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأقسَمَ البَراءُ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما فَرَّ ولا هَرَبَ، ولكِنَّه خَرَجَ شُبُّانُ أصحابِه وأخِفَّاؤُهم حُسَّرًا لا يَحمِلونَ سِلاحًا، ولا يَستَتِرونَ بدِرعٍ أو غَيرِها، فلَمَّا أتَوْا جَماعةً مِن قَبيلةِ هَوازِنَ وبَني نَصرِ بنِ مُعاويةَ، وهُما مِن قَبائِلِ العَرَبِ، وكانوا يُجيدونَ الرَّميَ بالنَّبْلِ والسِّهامِ، فلا يَكادُ يَسقُطُ لهم سَهمٌ دُونَ إصابةِ هَدَفِه، فرَشَقُوا أصحابَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ غَيرَ المُتجَهِّزينَ بالسِّلاحِ، فتَراجَعُوا، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ راكبٌ بَغلَتَه البَيضاءَ، يَقودُها ابنُ عَمِّه أبو سُفيانَ بنُ الحارِثِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ رَضيَ اللهُ عنه، فنَزَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن فَوقِ بَغْلَتِه، وطَلَبَ النَّصرَ مِنَ اللهِ تَعالى، وتَضرَّعَ له، وظَلَّ يَقولُ: «أنا النَّبيُّ لا كَذِبْ»، أي: فلَستُ بكاذِبٍ في قَوْلي حتَّى أفِرَّ، «أنا ابنُ عَبدِ المُطَّلِبْ» فانتسَبَ إلى جَدِّه لشُهرَتِه به، ثمَّ صَفَّ أصحابَه ورَتَّبَ صُفوفَهم؛ لِيَعودوا إلى القِتالِ، وقاتَلَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصحابُه حتى انهَزَمَ المُشرِكونَ، وغَنِمَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ منهم غَنائِمَ كَثيرةً.
وفي الحديثِ: التَّضرُّعُ إلى اللهِ تعالَى وقْتَ الشَّدائدِ.