باب من قلد القلائد بيده

بطاقات دعوية

باب من قلد القلائد بيده

عن عمرة بنت عبد الرحمن: أن زياد بن أبي سفيان كتب إلى عائشة رضي الله عنها أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: من أهدى هديا حرم عليه ما يحرم على الحاج حتى ينحر هديه. قالت عمرة: فقالت عائشة رضي الله عنها: ليس كما قال ابن عباس رضي الله عنه، أنا فتلت قلائد هدي رسول الله (وفي رواية: قلائد الغنم للنبي) - صلى الله عليه وسلم -[من عهن كان عندي] بيدي، ثم قلدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -بيديه، [وأشعرها 2/ 182]، ثم بعث بها مع أبي [إلى البيت، وأقام بالمدينة] [حلالا]، فلم يحرم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء أحله الله له حتى نحر الهدي. (وفي رواية: كان يهدي من المدينة، فأفتل قلائد هديه، ثم لا يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم)، (ومن طريق مسروق: أنه أتى عائشة فقال لها: يا أم المؤمنين! إن رجلا يبعث بالهدي إلى الكعبة، ويجلس في المصر، فيوصي أن تقلد بدنته، فلا يزال من ذلك اليوم محرما حتى يحل الناس؟ قال: فسمعت تصفيقها من وراء الحجاب، فقالت: لقد كنت أفتل قلائد هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيبعث هديه إلى الكعبة، فما يحرم عليه مما حل للرجال من أهله حتى يرجع الناس 6/ 239)

حرَصَ الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم كلَّ الحرصِ على مُوافَقةِ هَدْيِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في جَميعِ أقوالِه وأفعالِه، وكان يُراجِعُ بعضُهم بَعضًا في ذلك.
وفي هذا الحديثِ أخبَرَتْ عَمْرةُ بِنتُ عبدِ الرَّحمنِ أنَّ زِيادَ بنَ أبي سُفيانَ -وكان يُلقَّبُ زِيادَ بنَ أبيهِ- كَتَبَ إلى عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها: إنَّ عبْدَ اللهِ بنَ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما كان يُفتي بأنَّ مَن أَهْدى هدْيًا -مِن الإبلِ والبَقرِ، والغنَمِ والمَعْزِ- للبيتِ الحَرامِ، فبَعَثَ به لِيُذبَحَ في الحجِّ، ولكنَّه لم يَتلبَّسْ بالنُّسكِ ولم يُسافِرْ للحجِّ، بلْ بقِيَ في مَوطنِه؛ فإنَّه يَحرُمُ عليه ما يَحرُمُ على الحاجِّ، فلا يَقرَبُ الطِّيبَ ولا النِّساءَ، ولا غيرَ ذلك مِن مَحظوراتِ الإحرامِ، ويَظَلُّ على ذلك حتَّى يُنْحَرَ هَدْيُه. فلمَّا سَمِعَتْ أمُّ المؤمنينَ عائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها فَتْوى ابنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما ردَّتْ هذه الفتْوى بأنَّها مُخالِفةٌ لِما فَعَلَه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فقدْ كانتْ تَصنَعُ القلائدَ -وهي الأطواقُ- الَّتي كانت تُوضَعُ في رِقابِ هدْيِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ التي كان سيُرسِلُها وهو غيرُ حاجٍّ وغيرُ مُتلبِّسٍ بالنُّسكِ، ثُمَّ وضَعَها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيَدِه الشَّريفةِ على الهدْيِ، وبعَثَ بها مع أبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه إلى الحجِّ سَنةَ تِسعٍ مِن الهِجرةِ لَمَّا حَجَّ بالناسِ، ولم يَلتزِمِ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بما يَلتزِمْ به المُحرِمُ، ولم يَحرُمْ عليه شَيءٌ أحلَّه اللهُ لغيرِ المُحرِمِ بحَجٍّ أو عُمرةٍ.
وفي الحديثِ: مَشروعيَّةُ إرسالِ الهدْيِ إلى الحرَمِ ممَّن لم يَذهَبْ لأداءِ الحجِّ أو العُمرةِ.
وفيه: خِدمةُ الكَبيرِ نفْسَه، وإنْ كان له مَن يَكفيهِ.
وفيه: رَدُّ بَعضِ العُلماءِ على بَعضٍ.