باب من كان ليس له ولد وله أخوات

باب من كان ليس له ولد وله أخوات

حدثنا منصور بن أبى مزاحم حدثنا أبو بكر عن أبى إسحاق عن البراء بن عازب قال جاء رجل إلى النبى -صلى الله عليه وسلم- فقال يا رسول الله يستفتونك فى الكلالة فما الكلالة قال « تجزيك آية الصيف ». فقلت لأبى إسحاق هو من مات ولم يدع ولدا ولا والدا قال كذلك ظنوا أنه كذلك.

نظم الشرع الحنيف أمور الميراث بكل أصنافها وتفاصيلها؛ حتى لا تكون التركات نهبا أو عرضة للأهواء بين الناس
وفي هذا الحديث يروي التابعي معدان بن أبي طلحة اليعمري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب يوم جمعة، فذكر نبي الله صلى الله عليه وسلم، وذكر أبا بكر، بالثناء والدعاء لكل منهما، ثم قال: «إني لا أدع بعدي شيئا أهم من الكلالة»، أي: إن أمت مت منشغلا ومهموما بحكم توزيع الأنصباء في صورة الكلالة؛ لعدم وضوح حكمها أو حكمتها في نظري، والكلالة: ميراث من مات وليس له ولد ولا والد
ثم أخبر أن أكثر شيء سأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم هو الكلالة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ما شد عليه في الكلام في شيء مثل الكلالة، حتى إنه صلى الله عليه وسلم ضرب برأس إصبعه في صدر عمر رضي الله عنه، وقال: يا عمر، ألا تكفيك آية الصيف؟! وذلك لأنها نزلت في الصيف، وتمييزا لها عن آية الشتاء، وآية الصيف هي التي في آخر سورة النساء، وهي قوله تعالى: {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم} [النساء: 176]، وآية الشتاء هي قول الله تعالى: {وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث} [النساء: 12]، والمعنى: ألا تكفيك هذه عن الآية وتغنيك عن المراجعات؟ ولكن النبي صلى الله عليه وسلم مات قبل أن يوضح كل صورها للناس، فوقع فيها اختلاف بين الصحابة
قيل: لعل النبي صلى الله عليه وسلم إنما أغلظ له لخوفه من اتكاله واتكال غيره على ما نص عليه صريحا وتركهم الاستنباط من النصوص؛ لقول الله تعالى: {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} [النساء: 83]، فالاعتناء بالاستنباط من آكد الواجبات المطلوبة؛ لأن النصوص الصريحة لا تفي إلا بيسير من المسائل الحادثة، فإذا أهمل الاستنباط فات القضاء في معظم الأحكام النازلة أو في بعضها
وقول عمر رضي الله عنه: «وإني إن أعش» يقصد بذلك مدة حكمه وخلافته، أنه سيقضي فيها بقضاء على ما فهم واستنبط من القرآن حتى يسلم بها ويقبل هذا الحكم ويقتنع به، من عنده علم بالقرآن من حفظ وفهم وتفسير، ومن لا يستطيع قراءة القرآن أو لا يقدر على فهمه وتفسيره إلا بواسطة؛ يقصد بهذا القول رضي الله عنه أهل العلم وعموم الناس، وإنما أخر رضي الله عنه القضاء فيها؛ لأنه لم يظهر له في ذلك الوقت ظهورا يحكم به، فأخره حتى يتم اجتهاده فيه ويستوفي نظره ويتقرر عنده حكمه، ثم يقضي به ويشيعه بين الناس، وقد جاء في مسند أحمد، عن أبي رافع: «أن عمر بن الخطاب كان مستندا إلى ابن عباس، وعنده ابن عمر وسعيد بن زيد، فقال: اعلموا أني لم أقل في الكلالة شيئا»، وهذا يدل على أنه لم يصل إلى القول الفصل في الكلالة حتى آخر حياته
وتفسير آية الكلالة: يقول الله تعالى لنبيه: يسألك أصحابك أن تبين لهم الحكم الشرعي في توريث الكلالة، وهو من مات وليس له ولد ولا والد يرثه، فقل لهم يا محمد: إن الله تعالى هو الذي يفتيكم في ذلك؛ إذا مات شخص ولم يترك والدا، ولا أولادا- لا من الذكور ولا الإناث- وترك أختا شقيقة أو لأب؛ فإن نصيبها من الميراث في هذه الحالة هو النصف، فإذا ماتت الأخت قبل أخيها، ولم يكن لها ولد -ذكرا كان أو أنثى- ولا والد يرثانها؛ ورث مالها كله، فإن كان معه صاحب فرض -كزوج- أخذ فرضه، وما بقي فلأخيها. ثم ذكر صورتين أخريين، فقال: فإن كانتا أختين فأكثر، فإن لهما ثلثي ما يترك أخوهما، وإن كان الورثة لهذا الأخ المتوفى إخوة -سواء كانوا ذكورا وإناثا- فيأخذ الذكر مثل نصيب اثنتين من الأخوات، يبين الله أحكامه للناس؛ حتى لا يضلوا، والله بكل شيء عليم
وفي الحديث: الإلحاح في سؤال العالم ومباحثته
وفيه: تأديب المعلم للمتعلم إذا رآه أسرف في الإلحاح