باب من لزمه أمر فدخل عليه أمر آخر
بطاقات دعوية
حديث ابن عمر، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لنا، لما رجع من الأحزاب: لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فأدرك بعضهم العصر في الطريق فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها وقال بعضهم: بل نصلي، لم يرد منا ذلك فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم، فلم يعنف واحدا منهم
كان الرسول صلى الله عليه وسلم هو المرجع للصحابة في كل شؤونهم؛ فإذا حدث اختلاف ردوه إليه صلى الله عليه وسلم؛ ليبين لهم ما أشكل عليهم، أو يقرهم على ما اجتهدوا فيه
وفي هذا الحديث يخبر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب -وهي غزوة وقعت سنة خمس من الهجرة- بعد أن رد الله المشركين خائبين خاسرين بغيظهم: «لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة»، وهم قبيلة من اليهود سكنوا المدينة قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها، وعقد معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدا، ولكنهم خانوا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في أشد الأوقات؛ بأن تحالفوا مع الأحزاب ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وكادوا أن يدخلوا جيوش المشركين إلى المدينة من ناحيتهم، إلا أن الله أدرك المسلمين بعنايته ورحمته
وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها: «لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق وضع السلاح، فاغتسل، فأتاه جبريل وهو ينفض رأسه من الغبار، فقال: وضعت السلاح؟ والله ما وضعناه، اخرج إليهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأين؟ فأشار إلى بني قريظة»، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم حث الناس على السير والإسراع إليها، فلما مشوا، حضر وقت العصر وهم في الطريق وقبل أن يصلوا إلى بني قريظة، فذكر بعضهم أنه لن يصلي العصر مع دخول وقته إلا في بني قريظة، عملا بظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النزول معصية للأمر الخاص بالإسراع، فخصوا عموم الأمر بالصلاة أول وقتها بما إذا لم يكن عذر، وأن يمتثل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن تأخرت الصلاة عن فضيلتها في أول الوقت، تمسكا بحدود نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذكر الآخرون أنهم سيصلونها؛ نظرا إلى المعنى لا إلى ظاهر اللفظ، وقالوا: «لم يرد منا ذلك»، أي: إن وصيته صلى الله عليه وسلم بذلك إنما هي على سبيل الحث لهم في السير، كما فهم بامتثال ما أمر به، فلما دخل عليهم وقت العصر، وعرفوا مقصود رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك؛ رأوا أن ينالوا فضيلة الصلاة في وقتها، وأن يذهبوا إلى بني قريظة ممتثلين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوصول إليها، فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم ما حدث من الطائفتين، فلم ينكر على أحد منهم؛ لا التاركين، ولا الذين فهموا أنه كناية عن العجلة، وهو إقرار منه صلى الله عليه وسلم لفعلهم
وفي الحديث: إثابة المجتهد في كل ما يسوغ الاجتهاد فيه
وفيه: إقرار النبي صلى الله عليه وسلم للخلاف فيما يشرع فيه الاجتهاد، واحتمالية النص لهذا الخلاف
وفيه: إشارة وتحذير أن يكون الخلاف سببا في تعطيل المسلمين عن قضاياهم ومهامهم الكبرى