باب من ناجى بين يدي الناس ولم يخبر بسر صاحبه، فإذا مات أخبر به
بطاقات دعوية
عن عائشة أم المؤمنين قالت: إنا كنا أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - عنده جميعا، لم تغادر منا واحدة، فأقبلت فاطمة عليها السلام تمشي، لا والله ما تخفى مشيتها من مشية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما رآها رحب؛ قال: "مرحبا بابنتي"، ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم سارها، فبكت بكاء شديدا، [فقلت لها: لم تبكين؟ 4/ 183]، فلما رأى حزنها سارها الثانية، إذا هي تضحك، فقلت لها أنا من بين نسائه: خصك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسر من بيننا ثم أنت تبكين (وفي رواية: فقلت: ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن)، فلما قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سألتها: عما سارك؟ قالت: ما كنت لأفشي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سره، فلما توفي قلت لها: عزمت عليك بما لي عليك من الحق لما أخبرتني، قالت: أما الآن فنعم، فأخبرتني؛ قالت: أما حين سارني في الأمر الأول، فإنه أخبرني:
"أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل سنة مرة، وإنه قد عارضني به العام مرتين، ولا أرى الأجل إلا قد اقترب، فاتقي الله واصبري، فإني نعم السلف أنا لك، [وإنك أول أهل بيتي لحاقا بي] ". قالت: فبكيت بكائي الذي رأيت، فلما رأى جزعي سارني الثانية؛ قال:
"يا فاطمة! ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه ال
كانتْ فاطِمةُ رَضيَ اللهُ عنها أشبَهَ بَناتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ به، وأحبَّهنَّ إليه.
وفي هذا الحَديثِ تَذكُرُ أمُّ المؤمِنينَ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ فاطِمةَ أقْبَلَتْ آتيةً عليها، وهي تَمْشي كأنَّ هَيْئةَ مِشيَتِها مِشْيةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكان ذلك في مَرضِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الَّذي مات فيه، فلمَّا رَآها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال لها: «مَرْحبًا بابْنَتي»، وهذا مِن حُسنِ الاستِقْبالِ، ثمَّ أجلَسَها عن يَمينِه، أو عن شِماِله، ثمَّ أسرَّ إليها حَديثًا خاصًّا لا يَسمَعُه أحدٌ غَيرُها، فلمَّا سَمِعَتْه بكَتْ، فقالت عائشةُ: لِمَ تَبْكينَ؟ فلم تُجِبْها فاطِمةُ رَضيَ اللهُ عنها، ثمَّ أسرَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إليها حَديثًا آخَرَ فضحِكَتْ، فقالت عائشةُ مُتعَجِّبةً: ما رأيْتُ فَرَحًا كفرَحٍ رَأَيتُه اليومِ؛ وذلك لأنَّه فَرَحٌ قَريبٌ مِن حُزنٍ! فسَأَلَتْها عمَّا قال لها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالت فاطِمةُ: «ما كنْتُ لِأُفْشيَ سِرَّ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ»، فلمَّا مات صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أعادَتْ عائشةُ سُؤالَها لفاطِمةَ، فقالت لها: إنَّه قال لها: «إنَّ جِبريلَ كان يُعارِضُني القُرآنَ كلَّ سَنةٍ مرَّةً، وإنَّه عارَضَني العامَ مرَّتينِ»، أي: إنَّه كان يُدارِسُه جَميعَ ما نزَل مِنَ القُرآنِ ويُراجِعُه معَه، وكان يَفعَلُ ذلك في كلِّ عامٍ مرَّةً، وقدْ فَعَل ذلك في هذا العامِ مرَّتَينِ، وفسَّرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ هذه إشارةٌ إلى مَوتِه هذا العامَ، وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لابنَتِه فاطِمةَ سرًّا: «وإنَّكِ أوَّلُ أهلِ بَيْتي لَحاقًا بي»، أي: أوَّلُ مَن يَموتُ مِن آلِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعْدَه، وكان هذا هو سَببَ بُكائِها رَضيَ اللهُ عنها، ثُمَّ قال لها صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «أمَا تَرْضَينَ أنْ تَكوني سيَّدةَ أهلِ الجنَّةِ -أو نِساءِ المؤمِنينَ-؟». فضَحِكَتْ فاطِمةُ رَضيَ اللهُ عنها لَمَّا سَمِعَتْ هذه البِشارةَ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
أمة (وفي رواية: أو نساء أهل الجنة؟ "، فضحكت لذلك).