باب من نام أول الليل وأحيا آخره

بطاقات دعوية

باب من نام أول الليل وأحيا آخره

 عن الأسودِ قالَ: سألتُ عائشةَ رضي الله عنها كيفَ صلاةُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بالليلِ؟ قالت:
كانَ ينامُ أوَّلَهُ، ويقومُ آخرَه، فيصَلي، ثم يَرجعُ إِلى فراشِهِ، فإِذا أذَّنَ المؤذِّنُ وثَبَ، فإِنْ كانَ بهِ حاجةٌ اغتسَلَ، وإلا توضأَ وخرجَ.

كان هدْيُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في قِيامِ الليلِ أكْمَلَ هَدْيٍ وأحسنَه، حيثُ كان يُقسِّمُ اللَّيلَ، بيْن أوقاتِ العِبادةِ والراحةِ؛ لأنَّه أنشَطُ للجِسمِ والنفْسِ، وأدْعى للاستِمرارِ والدَّوامِ والمُواظَبةِ على قِيامِ اللَّيلِ دونَ سآمةٍ أو مَلَلٍ، وأفضَلُ الأعمالِ ما داوَمَ عليه فاعِلُه.
وفي هذا الحَديثِ أنَّ أمَّ المُؤمنِينَ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها قدْ سُئِلَت عن صَلاةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ باللَّيلِ، فقالتْ: كان يَنامُ مِن أوَّلِ اللَّيلِ، ويَقومُ للصَّلاةِ في آخِرِه؛ وهذا لفضْلِ الوقتِ في آخِرِ اللَّيلِ، ولتَنزُّلِ اللهِ سُبحانَه وتعالَى فيه إلى السَّماءِ الدُّنيا، وإجابتِه للدُّعاءِ، وغُفرانِه للذُّنوبِ فيه، ثمَّ كان يَرجِعُ إلى النَّومِ بعْدَ قِيامِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فإذا أذَّن المُؤذِّنُ لصَلاةِ الفجرِ قامَ.
تقولُ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها: فإنْ كان به حاجةٌ -أي: أثَرُ جَنابةٍ- اغتَسَلَ؛ لأجْلِ جَنابتِه تلك، وإلَّا تَوضَّأَ، أي: اكْتَفى صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالوُضوءِ؛ إمَّا على سَبيلِ طَلَبِ التَّطهُّرِ لأنَّ وُضوءَه الأوَّلَ الذي صلَّى به قِيامَ اللَّيلِ انتَقَضَ، أو على سَبيلِ التَّجديدِ لطَهارتِه، وطَلَبًا للنَّشاطِ، ودَفْعًا للكسَلِ، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا يَنتقِضُ وُضوءُه بالنَّومِ؛ لِما جاء في الصَّحيحَينِ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «يا عائِشةُ، إنَّ عَينيَّ تَنامانِ، ولا يَنامُ قَلْبي»، وهذا مِن خَصائصِ الأنبياءِ صَلواتُ اللهِ وسَلامُه عليهم.
ثمَّ يَخرُجُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى المسجِدِ؛ ليُؤدِّيَ صَلاةَ الفَجرِ في أصحابِه رَضيَ اللهُ عنهم، وكان مِن عادتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُصلِّيَ سُنَّةَ الفَجرِ في بَيتِه قبْلَ أنْ يَخرُجَ.
وفي الحديثِ: دَلالةٌ على الاهتِمامِ بالعِبادةِ، والإقبالِ عليها بالنَّشاطِ.
وفيه: التَّنبيهُ على قِيامِ الثُّلثِ الأخيرِ مِن اللَّيلِ.
وفيه: بَيانُ هَدْيِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في نَومِ آخِرِ اللَّيلِ قُبَيلَ خُروجِه لصَلاةِ الفَجرِ.