باب مناقب أبي موسى الأشعري رضي الله عنه3
سنن الترمذى
حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، قال: حدثنا أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «اللهم لا عيش إلا عيش الآخره ، فأكرم الأنصار والمهاجره» هذا حديث حسن صحيح وقد روي من غير وجه عن أنس "
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ سَهلُ بنُ سَعدٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّهم كانوا معَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غَزوةِ الخَندَقِ، والخَندَقُ هو الحُفرةُ العَميقةُ والطَّويلةُ حَولَ شَيءٍ مُعيَّنٍ، أو في جِهةٍ مُعيَّنةٍ، وقدْ حفَرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شَمالَ المَدينةِ بعْدَ أنْ أشار عليه سَلْمانُ الفارسيُّ؛ لحِمايَتِها منَ الأحْزابِ الَّتي جَمعَتْها قُرَيشٌ لحَربِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصْحابِه، وكان ذلك في سَنةِ خَمسٍ منَ الهِجْرةِ.
قال سَهلٌ رَضيَ اللهُ عنه: «وهمْ يَحفِرون»، أي: بعضُ المسلمينَ، «ونحن نَنقُلُ التُّرابَ على أكْتادِنا»، أي: على أكْتافِنا وظُهورِنا، والكَتَدُ: هو المَوضِعُ ما بيْنَ الكَتِفِ المُوصِّلِ للعُنُقِ والظَّهرِ. فبَعضُهم كان يَحفِرُ، والبَعضُ الآخَرُ كان يَنقُلُ التُّرابَ.
وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُشارِكُهم في الحَفرِ بيَدَيْه، يَحمِلُ معَهمُ التُّرابَ، وكانوا على هذه الحالِ منَ التَّعبِ، والمَشقَّةِ، والخَوفِ، والجوعِ، حيث لا عَيشَ ولا حَياةَ هانِئةٌ، ولا مَعيشةَ صافيةٌ، وهو ما يَرْجوه كلُّ إنْسانٍ، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُبشِّرًا لهم: «اللَّهُمَّ لا عَيْشَ إلَّا عَيْشُ الآخِرَةِ، فاغْفِرْ لِلْمُهاجِرِينَ والأنْصَارِ»، أيْ: لا عَيشَ على وَجهِ الحَقيقةِ إلَّا العَيشُ في الآخِرةِ في رِضْوانِ اللهِ ورَحْمتِه، ثمَّ دَعا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالمَغْفِرةِ للمُهاجِرينَ الَّذين تَرَكوا دِيارَهم وأمْوالَهم يَبْتَغونَ فَضلًا منَ اللهِ ورِضْوانًا، وللأنْصارِ الَّذينَ آوَوُا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والمُهاجِرينَ ونَصَروهم، وقاسَموهم في أمْوالِهم.
وفي الحَديثِ: بَيانُ حالِ الشِّدَّةِ والخَوفِ الَّذي كان عليه المُسلِمونَ في حَفرِ الخَندَقِ.
وفيه: بَيانُ حُسنِ مُلاطَفةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للنَّاسِ، والتَّخْفيفِ عنهم في أحْلَكِ الظُّروفِ، وهذا شَأنُ كلِّ داعِيةٍ يُبشِّرُ ولا يُنفِّرُ.
وفيه: بَيانُ مَنقَبةِ المُهاجِرينَ والأنْصارِ، حيث فازوا بدَعْوةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لهم بالمَغفِرةِ.