حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي قال: أخبرنا خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: ضمني إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «اللهم علمه الحكمة». هذا حديث حسن صحيح
رَسولُنا الكريمُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَضرِبُ لنا دائمًا أفضلَ وأسْمى الأمثلةِ على الرَّحمةِ والمَحبَّةِ والشَّفقةِ مع قَرابتِه وصَحابتِه رِضوانُ اللهِ عليْهم.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عَبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ضمَّه واحتَضَنَه، ثمَّ دَعا له فقالَ: اللَّهمَّ علِّمْه الكِتابَ، أي: علِّمْه القرآنَ؛ حِفظًا وفَهمًا، وتَفسيرًا وتَأويلًا، وفِقهًا وأحكامًا، فاستجابَ اللهُ دُعاءَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأصبَحَ ابنُ عبَّاسٍ حَبْرَ الأُمَّةِ، وتَرْجُمانَ القرآنِ رَضيَ اللهُ عنه.
وسَببُ هذا الدُّعاءِ ما أورَدَه البُخاريُّ في صحيحِه، ولَفظُه: «دخَلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الخَلاءَ، فوَضَعْتُ له وَضوءًا»، وفي لفظٍ: «فلمَّا خرَجَ قال: مَن وَضَعَ هذا؟ فأُخبِرَ»، وفي صَحيحِ مُسلمٍ: أنَّ أُمَّ المؤمنينَ مَيمونةَ رَضيَ اللهُ عنها هي التي أخبَرَتْه بذلك، وأنَّ ذلك كان في بَيتِها لَيلًا، ولعلَّ ذلك كان في اللَّيلةِ التي بات ابنُ عبَّاسٍ فيها عندَها؛ ليَرى صَلاةَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقد أخرَجَ أحمدُ عن ابنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما في قِيامِه خلْفَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في صَلاةِ اللَّيلِ، وفيه فقال لي: «ما شَأْني أجْعَلُكَ حِذائي فتَخْنِسُ؟ فقلْتُ: يا رسولَ اللهِ، أوَيَنْبغي لأحدٍ أنْ يُصلِّيَ حِذاءك وأنت رسولُ اللهِ الَّذي أعْطَاكَ اللهُ؟ قال: فأَعجَبْتُه، فدَعا اللهَ لي أنْ يَزيدني عِلمًا وفَهْمًا»..
وفي الحديثِ: بَركةُ دُعاءِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وبَيانُ فضْلِ عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما، وتَميُّزِه عن غَيرِه بهذا الدُّعاءِ المبارَكِ، الَّذي استجابَ اللهُ فيه دَعوةَ نَبيِّه.
وفيه: فضْلُ العِلمِ، والحَضُّ على تَعلُّمِه، وعلى حِفظِ القرآنِ، والدُّعاءِ بذلك.