باب مناقب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه3
سنن الترمذى
حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: أتينا على حذيفة، فقلنا: حدثنا بأقرب الناس من رسول الله صلى الله عليه وسلم هديا ودلا فنأخذ عنه ونسمع منه؟ قال: «كان أقرب الناس هديا ودلا وسمتا برسول الله صلى الله عليه وسلم ابن مسعود حتى يتوارى منا في بيته، ولقد علم المحفوظون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابن أم عبد هو من أقربهم إلى الله زلفى» هذا حديث حسن صحيح
مِن شِيَمِ الصَّالحينَ اتباعُ هدْيِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والسؤالُ عنه ليَعرِفوه، وقد كان الصَّحابةُ رِضوانُ اللهِ عليهم من أشَدِّ النَّاسِ اقتداءً بالنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكانوا أكثرَ الناسِ تَحرِّيًا لذلك.
وفي هذا الحديثِ يقولُ التابعيُّ عبدُ الرَّحمنِ بنُ يَزيدَ: "أتَيْنا حُذيفةَ" وهو ابنُ اليَمانِ، "فقُلْنا: حَدِّثنا مَن أقرَبُ النَّاسِ من رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هديًا ودَلًّا"، أي: أخبِرْنا بمَن هو أقرَبُ الصَّحابةِ رضِيَ اللهُ عنهم مُشابهةً للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في سُنَّتِه وعِبادتِه، والهدْيُ والدَّلُّ والسَّمتُ كلُّها ذاتُ مَعانٍ مُتقاربةٍ تدُلُّ على الهيئةِ والطَّريقةِ، وقيل: المُرادُ بالدَّلِّ: حُسنُ الشَّمائلِ والوقارِ، "فنأخُذَ عنهُ ونسمَعَ منهُ"، أي: يَلْزَموه ويَتقرَّبوا منه؛ لحِفْظِ سُنَّةِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عنه، قال حُذيفةُ رضِيَ اللهُ عنه: "كانَ أقرَبَ النَّاسِ هدْيًا ودَلًّا وسمْتًا برسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ابنُ مسعودٍ، حتَّى يَتوارى مِنَّا في بيتِهِ" يُريدُ أنَّا نَشهَدُ بما يَستبينُ لنا من ظاهرِ حالِه، ولا نَدْري ما بطَنَ له، قال ذلك من غايةِ استغرابِ طريقتِه وحالِه وحُسْنِه وكَمالِه، "ولقد علِمَ المحفوظونَ من أصحابِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، أي: الَّذين حفِظَهم اللهُ مِن تَحريفٍ في قولٍ أو فعْلٍ، "أنَّ ابنَ أُمِّ عبْدٍ"، أي: عبدَ اللهِ بنَ مَسعودٍ، "هوَ مِن أقرَبِهم إلى اللهِ زُلْفى"، أي: هو مِن أقرَبِهم إليه تعالى قُربةً.
وفي الحديثِ: بَيانُ مَنقبةٍ جليلةٍ لعبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه.
وفيه: معرفةُ الصَّحابةِ رضِيَ اللهُ عنهم قدْرَ بَعضِهم البعض.