باب مناقب عمر بن الخطاب أبي حفص القرشى العدوي رضي الله عنه 1
بطاقات دعوية
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"رأيتني دخلت الجنة؛ فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة، وسمعت خشفة (13)، فقلت: من هذا؟ فقال: هذا بلال، ورأيت قصرا [من ذهب 8/ 79]، بفنائه جارية، فقلت: لمن هذا؟ فقال [ـوا]: لعمر [بن الخطاب 6/ 157]، فأردت أن أدخله فأنظر إليه، فذكرت غيرتك (وفي رواية: فلم يمنعني إلا علمي بغيرتك) ".
فقال عمر: بأبي [أنت]، وأمي يا رسول الله! أ [و]، عليك أغار؟
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَصِفُ الجنَّةَ وما فيها مِن النَّعيمِ، وكان يُبشِّرُ بها بَعضَ أصحابِه؛ بَيانًا لكَرامتِهم، وحثًّا لغَيرِهم على الاجتهادِ في الطَّاعاتِ حتَّى يَنالوا الجنَّةَ.
وفي هذا الحديثِ يُخْبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أصْحابَه أنَّه بيْنَما هو نائِمٌ رَأى نَفْسَه في الجَنَّةِ - ورُؤيا الأنبياءِ حقٌّ ووحْيٌ مِن اللهِ عزَّ وجلَّ- ورَأى امْرَأةً تَتَوضَّأُ إلى جانِبِ قَصْرٍ وُضوءًا شَرعيًّا، ولا يَلزَمُ أنْ يكونَ على جِهةِ التَّكليفِ، أو المُرادُ الوُضوءُ اللُّغويُّ -وهو الطَّهارةُ والتَّنظُّفُ- لِتَزدادَ وَضاءةً وحُسْنًا، فسَأَلَ: لِمَن هذا القَصرُ؟ فأَجابَتْه الملائكةُ أنَّه لِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه، وفي رِوايةٍ في البُخاريِّ مِن حَديثِ جابرٍ رَضيَ اللهُ عنه: «فأردْتُ أنْ أدْخُلَه فأنْظُرَ إليه»؛ ليَرى ما فيهِ ويَصِفَه لعُمَرَ، ثمَّ تَذكَّرَ أنَّ في دُخولِه إيَّاه قدْ يَرى الحُورَ على تَبذُّلِهنَّ في مَساكنِهنَّ، فتَذَكَّرَ غَيرةَ عمَرَ رَضيَ اللهُ عنه، فَوَلَّى مُدبِرًا ورجَعَ عن دُخولِ القصْرِ إكرامًا منه لعُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه، فلمَّا سَمِع عمَرُ رَضيَ اللهُ عنه ذلك بَكى شُكرًا للهِ عزَّ وجلَّ على ما أَولاه مِن نِعَمِه، وتَأدُّبًا مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أو تَشَوُّقًا إلى الوعْدِ والبُشرى بالجنَّةِ، وقالَ: «أعَلَيكَ أغارُ يا رَسولَ الله!»، أي: لا تَصدُرُ الغَيرةُ منِّي تُجاهَكَ يا رسولَ اللهِ؛ لأنَّه لا يَجِبُ أنْ يُظَنَّ به شَيءٌ مِن السُّوءِ، خاصةً وأنَّ عمَرَ رَضيَ اللهُ عنه لم يَنَلْ هذا القدْرَ ويَرتفِعَ تلك الدَّرَجةَ إلَّا بسَببِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعلى يَدَيْه.
وفي الحَديثِ: فَضلُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهُ.
وَفيه: أنَّ الجنَّةَ مَخلوقةٌ، وأنَّ جَواريَها خُلِقْنَ، فهنَّ يَتقلَّبْنَ في النَّعيمِ انتظارًا لقُدومِ المؤمنينَ عليهنَّ.