باب {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم} الآية1
بطاقات دعوية
عن نافع قال: كان ابن عمر - رضى الله عنهما - إذا قرأ القرآن؛ لم يتكلم حتى يفرغ منه، فأخذت عليه يوما (15)، فقرأ {سورة البقرة}، حتى انتهى إلى مكان قال: تدرى فيما أنزلت؟ قلت: لا. قال: أنزلت فى كذا وكذا , ثم مضى (16) (وفى رواية: عنه عن ابن عمر: {فأتوا حرثكم أنى شئتم}؛ قال: يأتيها في (17)).
كانَ صَحابةُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَشْهَدونَ تَنْزيلَ القُرآنِ، ويَعرِفونَ مَواطنَ نُزولِه وأسبابَه؛ ولذلك كان تَفسيرُهم مُقدَّمًا على تَفسيرِ مَن سواهم مِمَّنْ جاءَ بعْدَهم.
وفي هذا الحديثِ يُبَيِّنُ عبدُ اللهِ بنُ عُمرَ رضِي اللهُ عنهما سَببَ نُزولِ آيةٍ مِن كِتابِ الله تعالى؛ فيُخبرُ نافِعٌ مولى ابنِ عُمَرَ أنَّ ابنَ عُمَرَ رضِي اللهُ عنهما كان إذا قرأَ القرآنَ لم يَتكلَّمْ بأيِّ كلامٍ غَيرِ القُرآنِ حتَّى يَفرُغَ مِن قِراءتِه، فأمْسَكَ مَولاهُ نافعٌ المصحفَ يَومًا وابنُ عُمَرَ رضِي اللهُ عنهما يَقرَأُ مِن حِفظِه، فقرَأَ مِن سُورةِ البقرةِ، فلمَّا انْتَهى إلى مَوضعِ آيةٍ قال: تَدْري فيمَ أُنزلَتْ؟ فقال نافعٌ: لا، فقال: أُنزلتْ في كذا وكذا، ثُمَّ أكْمَلَ قِراءتَه.
والموضعُ الَّذي وقَفَ عليه ابنُ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما هو قولُه تعالَى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} [البقرة: 223]، وتَفسيرُ قولِه: أُنزلتْ في كذا وكذا، أي: في إتيانِ النِّساءِ في أَدبارِهنَّ، كما عندَ ابنِ جَريرٍ في تفسيرِه؛ وذلك أنَّ مَوضعَ الحَرثِ مِنَ المرأةِ هو الموضِعُ الَّذي يَنتُجُ عنه الولدُ، وهو القُبلُ؛ فكانتِ الآيةُ تَحريمًا لِإتيانِ النِّساءِ في أدبارِهنَّ.
وفي هذه الآيةِ الكريمةِ يُخبِرُ اللهُ تعالى عبادَه بأنَّ نساءَهم مُزدرَعٌ لأولادِهم، يُلقي الرِّجالُ فيهنَّ النُّطفةَ فتَنزرعُ في الرَّحِمِ، وينمو ليكتَمِلَ بَشَرًا بإذنِ اللهِ تعالى، فلهم أن يجامِعوا نِساءَهم على أيِّ جِهةٍ وكيفيَّة، ما دام في موضِع الحَرثِ، وهو القُبُلُ، وأمرهم سُبحانَه أن يُعِدُّوا لأنفُسِهم الخيراتِ والحَسَناتِ التي تفيدُهم في آخِرَتِهم، ويجعَلوا بينهم وبين غَضَبِ الله وعذابِه ما يَقِيهم من ذلك بتجنُّب السيِّئاتِ، وليتيقَّنوا أنَّ مَرَدَّهم إلى الله، ثم أمر نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يُبشِّرَ المُؤمِنين بما سيَجِدونَه عند اللهِ مِنَ الأجرِ.
وفي الحَديثِ: أنَّ مِن آدابِ تِلاوةِ القُرآنِ الكريمِ الاسترسالَ في التلاوةِ دونَ قَطْعِها بكلامٍ آخَرَ.
وفيه: فضيلةُ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما وسَعةُ عِلْمِه بالقُرآنِ الكريمِ.
وفيه: إلْقاءُ العالِمِ المسائلَ على المُتعلِّمين؛ لتعليمِهم وليَختبِرَ أفهامَهم.