باب نفقة نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته

مختصر صحيح البخاري

باب نفقة نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته

 عن عائشة قالت: [لقد 7/ 179] توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد إلا شطر (15) شعير في رف لي، فأكلت منه حتى طال علي، فكلته، ففني.

كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَدعو رَبَّه أنْ يَجعَلَ رِزقَه ورِزقَ أهْلِه كَفافًا، وهو ما يَكْفي الإنسانَ ويُغنِيه عنِ سُؤالِ النَّاسِ، وكانت زَوجاتُه وأهلُ بَيتِه مُحتَسِباتٍ ضِيقَ العَيشِ، يَرجُونَ نَعيمًا لا يَنقَطِعُ في دارِ الخُلدِ والجَزاءِ.
وفي هذا الحَديثِ تُخبِرُ أُمُّ المُؤمِنينَ عائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِينَ ماتَ لم يَكُنْ عِندَها طَعامٌ يَأكُلُه ذو كَبِدٍ، أي: كائِنٌ حَيٌّ، إلَّا بَعضَ الشَّعيرِ، وكانت تَضَعُه في رَفٍّ في حُجرَتِها، فكانت تَأكُلُ منه حتَّى طالَتْ مُدَّةُ أكْلِها منه وهو لا يَفنَى، فكالَتْه، أي: وَزَنَتْه وعَرَفتْ مِقدارَه، فعِندَها فَنيَ وانتَهى، فكانَتِ البَرَكةُ فيه مِن أجْلِ جَهْلِها بكَيْلِه، وكانت تَظُنُّ في كُلِّ يَومٍ أنَّه سيَفْنى؛ لِقِلَّةٍ كانت تَتوَهَّمُها فيه؛ فلِذلك طالَ عليها، فلَمَّا كالَتْه عَلِمتْ مُدَّةَ بَقائِه، ففَنيَ عِندَ تَمامِ ذلك الأمَدِ، وقدْ يَكونُ الأمْرُ مُرتَبِطًا ببَرَكةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فيما كان عِندَها، فلَمَّا كالَتْه رُفِعتْ تلك البَرَكةُ، وفي الصَّحيحَينِ عن أسماءَ بِنتِ أبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنهما، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال لها: «لا تُوعِي فيُوعِي اللهُ عليكِ»، ومعناهُ: لا تُقدِّري الأشياءَ؛ فإنَّ اللهَ يُوعِي عليكِ، أي: أنَّه يُعامِلُك بحسَبِ ما تُقدِّرين، وعليه: فإذا جَعَلَ الإنسانُ الشَّيءَ مَوكولًا إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، وأكَلَ منه حتَّى يَفْنى، يكونُ هذا أبْرَكَ له.
وفي الحَديثِ: تَغليبُ التَّوَكُّلِ على اللهِ في جَميعِ الأُمورِ.
وفيه: دَليلٌ على أنَّ الإنسانَ إذا كال الشَّيءَ، وصار يُلاحِظُ هلْ نَقَصَ؟ هلْ زاد؟ فإنَّ بَرَكَتَه تُنزَعُ.