باب هل يستشفع إلى أهل الذمة ومعاملتهم؟

بطاقات دعوية

باب هل يستشفع إلى أهل الذمة ومعاملتهم؟

عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: يوم الخميس وما يوم الخميس؟ ثم بكى حتى خضب (وفي رواية: بل 4/ 66) دمعه الحصباء، [قلت: يا ابن عباس! ما يوم الخميس؟]، فقال: [لما حضر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي البيت رجال]، [فيهم عمر بن الخطاب 8/ 161]؛ اشتد برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعه يوم الخميس، فقال:
"ائتوني بكتاب (وفي رواية: بكتف) أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا"، فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: [أ] هجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ [استفهموه، فذهبوا يردون عليه، فـ 5/ 137]، قال:
"دعوني؛ فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه"

(وفي طريق: فقال بعضهم (وفي رواية: عمر 7/ 9): إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد غلبه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت، واختصموا، فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده، ومنهم من يقول غير ذلك، فلما أكثروا اللغو والاختلاف؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"قوموا [عني، ولا ينبغي عندي التنازع] "، فكان يقول ابن عباس: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب؛ لاختلافهم ولغطهم).
وأوصى عند موته بثلاث، [قال]: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم"، [وسكت عن الثالثة، أو قال:] ونسيت الثالثة. [هذا من قول سليمان (الأحول)]

كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَريصًا على وَحدةِ أُمَّتِه وعدَمِ اختلافِها في حَياتِه وبعْدَ وَفاتِه؛ ولذلك وضَّحَ في سُنَّتِه الدِّينَ ومُهمَّاتِه، وفصَّلَ كَثيرًا مِن الأُمورِ التي قد يقَعُ فيها الاختلافُ.

وفي هذا الحديثِ يَروي عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَمَّا قَوِيَ ألَمُه في مَرضِه الأخيرِ، وفي صحيحِ البُخاريِّ: أنَّ ذلك كان يومَ الخَميسِ، وكان قبْلَ مَوتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأربعةِ أيَّامٍ، طلَبَ مِن الصَّحابةِ أنْ يَكتُبَ لهم كتابًا لنْ يَضِلُّوا بَعدَه، ويكونُ لهم هاديًا إلى الطَّريقِ القويمِ، والصِّراطِ المستقيمِ، فلا يَميلون بعدَه عن جادَّةِ الحقِّ، ولا يَنحرِفون عن مَنهجِ الصَّوابِ، فتَكلَّم عمَرُ رَضيَ اللهُ عنه بأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ غلَبَه الألَمُ، فيَشُقُّ عليه إملاءُ الكتابِ أو مُباشَرةُ الكتابةِ.فخَشِيَ عمَرُ رَضيَ اللهُ عنه على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأنَّ اهتمامَه بالكِتابِ يَزيدُ في الألَمِ والمرَضِ، خاصةً مع ما كان يُصاحِبُه مِن إغماءٍ ونحْوِه، وظنَّ أنَّ الأمرَ في قولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «ائْتُونِي بكِتابٍ» مِن بابِ الإرشادِ إلى الأصلَحِ، وقال: «حسْبُنا كِتابُ اللهِ»، أي: عِندَنا القُرآنُ يَكفِينا؛ فإن الله تعالى قال: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38]، وقال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3]؛ فلا تَقعُ واقعةٌ إلى يومِ القِيامةِ إلَّا وفي القُرآنِ والسُّنَّةِ بَيانُها نصًّا أو دَلالةً، وهذا مِن دَقيقِ نظَرِ عُمرَ رضِيَ اللهُ عنه، ولم يُرِدْ أنَّه يُكتفَى بالقُرآنِ عن بَيانِ السُّنةِ، وقصَدَ بذلك راحةَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والترفيهَ عنه لاشتدادِ مَرضِه وغَلبةِ الوَجعِ عليه، ويشُقُّ عليه إملاءُ الكِتابِ أو مُباشَرةِ الكِتابةِ، إلى أنْ يَبْرأَ فيَكتُبَ ويُملِيَ ما أرادَ، ثمَّ إنَّ بَعضَ الحُضورِ كأنَّه أصرَّ على هذا الكِتابِ، فاختلَفَ الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم، وكثُرتِ الأصواتُ المُختلِفةُ، حتَّى أمَرَهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَخرُجوا ويَترُكوه؛ مُوضِّحًا لهم أنَّه لا يَنْبغي الاختلافُ في حَضْرتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.وكان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُحذِّرُهم مِن الخِلافِ؛ لِما فيه مِن رفْعِ الخيرِ كما حدَثَ في تَحديدِ لَيلةِ القدْرِ وغيرِها، فكان الخِلافُ والغَلَطُ الذي وقَعَ هو السَّببَ في رَفْعِ هذا الكِتابِ، وليس قَولَ عمَرَ أو غيرِه رَضيَ اللهُ عنهم جميعًا.وهنا قال ابنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما عندَ رِوايتِه لهذا الحديثِ: إنَّ المُصيبةَ كلَّ المُصيبةِ ما حجَزَ بيْن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وبيْن كِتابِه، وإنَّ الاختلافَ كان سَببًا لتَرْكِ كِتابةِ الكِتابِ.واختُلِف في المرادِ بالكِتابِ؛ فقيل: أراد أنْ يَكتُبَ كِتابًا يَنُصُّ فيه على الأحكامِ؛ ليَرتفِعَ الاختلافُ، وقيل: بلْ أراد أنْ يَنُصَّ على أسامي الخُلفاءِ بعْدَه؛ حتَّى لا يَقَعَ بيْنهم الاختلافُ، ويُؤيِّدُه ما جاء عندَ مُسلمٍ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال في أوائلِ مَرَضِه وهو عندَ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها: «ادْعي لي أباك وأخاكِ حتَّى أكتُبَ كِتابًا؛ فإنِّي أخافُ أنْ يَتمنَّى مُتمَنٍّ ويَقولَ قائلٌ، ويَأبى اللهُ والمؤمنونَ إلَّا أبا بَكرٍ»، وللبُخاريِّ معْناه.

وفي الحديثِ: أنَّ الاختلافَ قد يكونُ سَببًا في حِرمانِ الخيرِ.

وفيه: وُقوعُ الاجتهادِ بحَضْرةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فيما لم يَنزِلْ عليه فيه وَحْيٌ.

وفيه: أنَّ الأدبَ في العِيادةِ ألَّا يُطِيلَ العائدُ عندَ المريضِ حتَّى يُضجِرَه، وألَّا يَتكلَّمَ عنده بما يُزعِجُه.

وفيه: أنَّ المريضَ إذا اشتَدَّ به المرضُ فإنَّه يَجوزُ له أنْ يَأمُرَ الزَّائرينَ بالخُروجِ.

وفيه: ما يدُلُّ على فَضيلةِ عمَرَ رَضيَ اللهُ عنه وفِقهِه.

وفيه: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لم يَنصَّ صراحةً بالخِلافةِ مِن بعْدِه لأحدٍ معيَّنٍ.