باب وجوب الصيام 4
سنن النسائي
أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم، من كتابه، قال: حدثنا عمي، قال: حدثنا الليث، قال: حدثنا ابن عجلان، وغيره من إخواننا، عن سعيد المقبري، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، أنه سمع أنس بن مالك يقول: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس في المسجد، دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد، ثم عقله، ثم قال: أيكم محمد؟ وهو متكئ بين ظهرانيهم، فقلنا له: هذا الرجل الأبيض المتكئ، فقال له الرجل: يا ابن عبد المطلب، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد أجبتك»، قال الرجل: يا محمد، إني سائلك فمشدد عليك في المسألة، قال: «سل عما بدا لك»، قال: أنشدك بربك ورب من قبلك، آلله أرسلك إلى الناس كلهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم نعم»، قال: فأنشدك الله، آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، «اللهم نعم»، قال: فأنشدك الله، آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم نعم»، فقال الرجل: إني آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي، وأنا ضمام بن ثعلبة، أخو بني سعد بن بكر، «خالفه عبيد الله بن عمر»
كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أكثرَ الناسِ تواضعًا، وكان الناسُ يَأتون إلى فيَسألونَه عن شَرائعِ الدِّينِ، فيُعلِّمُهم ويُجِيبُهم بما يُناسِبُ أحوالَهم؛ حتى يكونَ الأمرُ واضحًا في عُقولِهم
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أنسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ ضِمامَ بنَ ثعلبةَ رَضيَ اللهُ عنه -وكان سَيِّدَ قَومِه بني سَعدِ بنِ بكرٍ- جاء إلى المدينةِ لمُقابَلةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ ليَسأَلَه عن أركانِ الإسلامِ؛ ليَكونَ مُعلِّمًا لقَومِه بعْدَ رُجوعِه، فدخَلَ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصحابِه وهم في المسجدِ، وكان ضِمامٌ على جمَلٍ، فأناخَهُ في المسجِدِ، وجعَلَه يَبرُكُ على الأرضِ، ثمَّ رَبَطَه حتى لا يَتحرَّكَ، ثمَّ قال لهم: أيُّكم محمَّدٌ؟ وكان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُتَّكِئًا على فُرشٍ له بيْن القومِ لتواضُعِه، فأخبَرَه الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم أنَّ الرجُلَ الأبيضَ المُتَّكئَ على الفراشِ هو النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَناداهُ ضِمامٌ: يا ابنَ عبدِ المُطَّلبِ، فنَسَبَه لجَدِّه، فقال له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «قد أجبْتُكَ»، أي: سَمِعْتُك، فسَلْ حتى أُجِيبَك، وإنَّما أجابَه عليه السَّلامُ بهذه العبارةِ؛ لأنَّه أخلَّ بما يَجِبُ مِن رِعايةِ غايةِ التَّعظيمِ والأدَبِ بإدخالِ الجَمَلِ في المسجِدِ، وخِطابُه بـ: «أيُّكم محمَّدٌ؟» وبابنِ عبدِ المطَّلبِ؟ فقال ضِمامٌ: إنِّي سائلُك فمُشدِّدٌ ومُغلِّظٌ عليك في السُّؤالِ، فلا تَحزَنْ ولا تَغضَبْ منِّي في نفْسِك، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «سَلْ عمَّا بَدا لك» وما ظهَرَ لك مِن أسئلةٍ، فقال ضِمامٌ: أسأَلُك بربِّك وربِّ مَن قبْلِك؛ آللهُ أرسَلَك إلى الناسِ كلِّهم؟ فأجابَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «اللَّهمَّ نَعَمْ»؛ إنَّ اللهَ أرْسَلَني بَشيرًا ونَذيرًا إلى كلِّ الناسِ، فاستحْلَفَ ضِمامٌ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ باللهِ سُبحانه وتعالَى، وذكَّرَه به أنْ يُجِيبَه، هلْ أمَرَ اللهُ عِبادَه بالصَّلواتِ المكتوباتِ وبصَومِ رَمضانَ وبأخْذِ الزَّكاةِ المفروضةِ، وأنْ تُؤخَذَ هذه الصَّدَقَةُ مِن الأغْنِياء وتُعْطى للفُقَراءِ؟ فأجابَه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بقولِه: اللَّهمَّ نَعمْ، وهنا ما كان مِن ضِمامٍ إلَّا أنْ آمَن وأسلَمَ، بلْ وأخبَرَ النبيَّ الكريمَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه سيَدْعو قَومَه جَميعًا للإسلامِ. ثمَّ عرَّف نفْسَه للنبيِّ وأنَّه ضِمامُ بنُ ثَعْلَبةَ مِن بَني سَعْدِ بنِ بَكْرٍ الذين استُرضِعَ فيهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
وفي الحديثِ: أنَّ الرَّجلَ يُعرَفُ بصِفتِه؛ مِن البَياضِ والحُمرةِ، والطُّولِ والقِصَر؛ لقولِهِم: فقُلْنا: هذا الرَّجلُ الأبيضُ. وفيه: بَيانُ تَواضُعِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وجُلوسِه بيْن أصحابِه ومعهم، ولا يَقومُ واحِدٌ منهم على رَأسِه، كما يَفعَلُ الأعاجمُ في غيرِ حاجةٍ
وفيه: تَقديمُ الإنسانِ بين يدَيْ حَديثِه مُقدِّمةً يَعتذِرُ فيها؛ ليَحسُنَ مَوقعُ حَديثِه عندَ المُحدَّثِ