باب وجوب صوم رمضان، وقول الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}
بطاقات دعوية
عن علقمة عن عبد الله قال: دخل عليه الأشعث وهو يطعم (6)، فقال: اليوم عاشوراء! فقال: كان يصام قبل أن ينزل رمضان، فلما نزل رمضان؛ ترك، فادن فكل
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَأمُرُ أصحابَهُ بِصَومِ يومِ عاشوراءَ قَبْلَ أنْ يُفرَضَ صِيامُ رَمَضانَ لفضْلِ ذلك اليومِ، فلمَّا فُرِضَ صِيامُ رمضانَ تَرَكَ أمْرَهم بِصيامِه، ولكنَّه صار تَطوُّعًا لمَن أراد.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التَّابعيُّ حُميدُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ أنَّ الخليفةَ مُعاويةَ بنَ أبي سُفيانَ رَضيَ اللهُ عنهما صَعِدَ على المِنبرِ في مَسجدِ المدينةِ في أحدِ الأعوامِ التي حَجَّ فيها -وكانت أوَّلُ حَجَّةٍ حَجَّها مُعاويةُ بعْدَ أنِ استُخْلِفَ في أربعٍ وأربعينَ، وآخِرُ حَجَّةٍ حجَّها سَنةَ سبْعٍ وخَمسينَ مِن الهِجرةِ- وكان ذلك يومَ عاشوراءَ، وهو اليومُ العاشرُ مِن المُحرَّمِ، وكأنَّه تَأخَّر بمكَّةَ أو المدينةِ في حَجَّتِه إلى يومِ عاشوراءَ، فقال: يا أهلَ المدينةِ، أينَ عُلماؤُكم؟! وإنَّما قال هذا؛ لَمَّا سَمِعَ مَن يُوجبُ أو يُحرِّم أو يَكْرهُ صِيامَ عاشوراءَ، واستِدعاؤه العُلماءَ تَنبيهًا لهم على الحكْمِ، أو استعانةً بما عِندهم على ما عِندَه، أو تَوبيخًا أنَّه رَأى أو سَمِعَ مَن خالَفَه، فأخبَرَهم مُعاويةُ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه سَمِعَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: هذا يومُ عاشوراءَ، لم يَفرِضِ اللهُ تعالَى عليكم صِيامَه؛ فأرادَ إعلامَهم بأنَّ صِيامَه ليس بِواجِبٍ.
وأخْبَرَهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه صائِمٌ ذلك اليومَ، فمَن أرادَ أنْ يَصومَ صامَه نافِلةً، ومَنْ شاءَ فَلْيُفطِرْ، ولا إثْمَ عليه؛ لأنَّه ليس بِفَرضٍ.
وهذا تَأكيدٌ على فَضْلِ صَومِ يومِ عاشوراءِ؛ لأنَّه لم يَخصَّهُ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بِنَدْبِه أُمَّتَه إلى صِيامِه وإرشادِهم إلى ذلك وإخبارِه إيَّاهم بأنَّه صائمٌ له لِيَقتدوا به؛ إلَّا لِفَضلٍ فيه، وفي رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الأُسوةُ الحسنةُ.
ولا يُناقِضُ هذا الحَديثُ حَديثَ الصَّحيحَينِ عن عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها، قالتْ: «كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَأمُرُ بصِيامِه قبْلَ أنْ يُفرَضَ رَمضانُ، فلمَّا فُرِضَ رَمَضانُ، كان مَن شاء صامَ يومَ عاشوراءَ، ومَن شاء أفطَرَ»؛ لأنَّ مُعاوِيةَ رَضيَ اللهُ عنه مِن مُسلِمةِ الفتْحِ؛ فإنْ كان سَمِعَ هذا بعْدَ إسلامِه فإنَّما يكونُ سَمِعَه سَنةَ تِسعٍ أو عشْرٍ، فيكونُ ذلك بعْدَ نَسْخِه بإيجابِ رَمَضانَ، ويكونُ المعنى: لمْ يُفرَضْ بعْدَ إيجابِ رَمَضانَ، أو المرادُ أنَّه لم يَدخُلْ في قَولِه تعالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183].
وقد وَرَدَ عندَ مُسلِمٍ مِن حَديثِ أبي قَتادةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ صَومَه يُكفِّرُ ذُنوبَ السَّنَةَ التي قَبْلَه. وأخرَجَ مُسلِمٌ أيضًا عن عبْدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قال: «فإذا كان العامُ المُقبِلُ إنْ شاء اللهُ صُمْنا اليومَ التاسعَ» أي: مَعه، فأبْقى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على صَومِه تَطوُّعًا.