‌‌باب: ومن سورة آل عمران5

سنن الترمذى

‌‌باب: ومن سورة آل عمران5

حدثنا أبو كريب قال: حدثنا وكيع، عن الربيع بن صبيح، وحماد بن سلمة، عن أبي غالب، قال: رأى أبو أمامة رءوسا منصوبة على درج دمشق، فقال أبو أمامة: «كلاب النار شر قتلى تحت أديم السماء، خير قتلى من قتلوه»، ثم قرأ: {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} [آل عمران: 106] إلى آخر الآية، قلت لأبي أمامة: أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين أو ثلاثا أو أربعا حتى عد سبعا ما حدثتكموه: " هذا حديث حسن، وأبو غالب اسمه: حزور، وأبو أمامة الباهلي اسمه: صدي بن عجلان وهو سيد باهلة "

الخوارِجُ الَّذين يُكفِّرون المسلِمين بالذُّنوبِ والمعاصي، ويَستحِلُّون دِماءَهم وأموالَهم بذلك هم شَرُّ الخَلقِ والخَليقةِ، وقد أمَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بقِتالِهم، وحذَّر مِنهم، وبيَّن لنا صِفاتِهم.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ أبو غالِبٍ البَصريُّ، واسمه حَزَوَّرُ، وقيل: سَعيدُ بنُ الحَزوَّرِ، وهو مِن صِغارِ التَّابِعين: "رَأى أبو أُمامةَ" واسمُه صُدَيُّ بنُ عَجْلانَ بنِ وَهْبٍ الباهليُّ، وهو صحابيٌّ مشهورٌ، سكَن مِصْرَ ثمَّ انتَقَل إلى حِمْصَ، ومات بها، وهو آخِرُ مَن مات مِن الصَّحابةِ بالشَّامِ رَضِي اللهُ عَنه، " رأى رُؤوسًا" جمعُ رأسٍ، "منصوبةً"، أي: واقِفةً مرفوعةً أو مصلوبةً، "على دَرَجِ"، جمعُ درَجةٍ، وهي المِرْقاةُ الَّتي يَرتَقِي بها الإنسانُ، وهي درَجاتُ السَّلالِمِ، عِندَ "مَسجِدِ دِمَشقَ"، أي: رأَى رُؤوسَ المقتولين مِن الخَوارِجِ رُفِعَتْ على درَجِ مَسجِدِ دِمَشقَ، "فقال أبو أُمامةَ" عِندَما رأى رؤوسَ الخوارجِ: "كِلابُ النَّارِ"، أي: الخوارِجُ أصحابُ هذه الرُّؤوسِ كلابُ أهلِ النَّارِ، أو إنَّهم على صُورةِ كلابٍ في النَّارِ، "وهم"، أي: الخَوارِجُ المَقْتولون، "شرُّ قَتْلى"، يَقتُلُهمُ المسلِمون، "تحتَ أَدِيمِ السَّماءِ"، أي: تحتَ وجْهِ السَّماءِ وتحتَ صَفحَتِها كما يُسمَّى وجهُ الأرضِ أَديمًا، "خيرُ قَتْلى" جمعُ قتيلٍ، أي: خَيرُ النَّاسِ "مَن قَتَلوه"، أي: مَن قَتَله الخوارِجُ أصحابُ هذه الرُّؤوسِ هو خيرُ مقتولٍ؛ لأنَّه قُتِل ظُلمًا بلا ذنبٍ أو قتلٍ وهو يُحارِبُهم.
"ثمَّ قرَأ" أبو أُمامةَ الباهِليُّ قولَه تعالى: "{يَوْمَ}"، أي: يومَ القيامةِ "{تَبْيَضُّ وُجُوهٌ}"، أي: وُجوهُ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ أهلِ السَّعادةِ والخيرِ، أهلِ الائْتِلافِ والاعتصامِ بحَبْلِ اللهِ، "{وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}"، أي: وُجوهُ أهلِ البدعةِ وأهلِ الشَّقاوةِ والشَّرِّ، أهلِ الفُرقَةِ والاختِلافِ، "إلى آخِرِ الآيةِ"، وتَمامُها: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 106- 107].
قال أبو غالِبٍ: "قلتُ لأبي أُمامةَ أنتَ" بتقديرِ الاستفهامِ، أي: هل أنتَ "سَمِعتَه"، أي: سَمِعتَ هذا الحديثَ "مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم؟"، أي: مِن قَولِه، وكنتَ حاضِرًا معه؟ "قال" أبو أُمامةَ رَضِي اللهُ عَنه: "لو لم أَسمَعْه"، أي: هذا الحديثَ، إلَّا مَرَّةً أو مرَّتَين أو ثلاثًا أو أربَعًا، "حتَّى عَدَّ" أبو أُمامةَ، "سَبعًا"، أي: سبعَ مرَّاتٍ، "ما حَدَّثتُكُموه"، أي: إنَّه سَمِعه مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أكثَرَ مِن سبعِ مرَّاتٍ سَماعًا لا شكَّ فيه؛ ولذلك حدَّث به.
وفي الحديثِ: ذمُّ الخَوارِجِ وأنَّهم مِن أهلِ النَّارِ، والتَّحذيرُ مِن تكفيرِ المسلِمين.
وفيه: التثبُّتُ في سَماعِ أحاديثِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم.