باب: ومن سورة الواقعة3
سنن الترمذى
حدثنا أبو كريب قال: حدثنا معاوية بن هشام، عن شيبان، عن أبي إسحاق، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال أبو بكر: يا رسول الله قد شبت، قال: «شيبتني هود، والواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت»: «هذا حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث ابن عباس إلا من هذا الوجه» وروى علي بن صالح، هذا الحديث عن أبي إسحاق، عن أبي جحيفة، نحو هذا، وقد روي عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، شيء من هذا مرسلا
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أَتْقى الخَلقِ للهِ، وأشَدَّهم له خَشيةً، وكان يتَدبَّرُ القرآنَ كما يَنبَغي؛ ولذا شيَّبَتْه بعضُ سورِ القُرآنِ، كما يقولُ ابنُ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنهما في هذا الحديثِ: قال أبو بكرٍ رَضِي اللهُ عَنه: يا رسولَ اللهِ "قد شِبْتَ"، أي: بدَأ يَظهَرُ الشَّعرُ الأبيضُ قبلَ أوانِه، والَّذي ظهَر في رَأسِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ولِحْيتِه عددٌ محدودٌ مِن الشَّعرِ الأبيضِ، لا يتَجاوَزُ العِشْرينَ شَعرةً، وقيل: أي: بدَأ يَظهَرُ عليك عَلاماتُ الضَّعفِ قبلَ أوانِها، "قال"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "شيَّبَتْني"، أي: السَّببُ فيما حدَث لي "هودٌ، والواقِعةُ، والمرسَلاتُ، وعمَّ يتَساءلون، وإذا الشَّمس كُوِّرَت"، أي: تلك السُّورُ هي سَببُ ما ذكَرتَ مِن الشَّيبِ؛ قيل: وذلِك لِمَا في تلك السُّورِ مِن ذِكْرِ هَلاكِ الأُممِ السَّابقةِ، وما حدَث لهم مِن العذابِ، وذِكْرِ أهوالِ القيامةِ، ومَواقِفِها وعَجائبِها ومَصائبِها، وأحوالِ الهالِكين والمعذَّبين مع ما في بَعضِهنَّ مِن الأمرِ بالاستقامةِ، وهو مِن أصعَبِ المقاماتِ، وكأنَّ ذلك الشَّيبَ بسببِ الخوفِ الصَّادِرَ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِن الإشفاقِ على أُمَّتِه والخوفِ عليهم.
وفي الحديثِ: التَّأثُّرُ بالقرآنِ لِمَن عرَفه حقًّا، وتفاوُتُ ذلِك التَّأثُّرِ بالقرآنِ.