باب ومن سورة عبس2
سنن الترمذى
حدثنا عبد بن حميد قال: حدثنا محمد بن الفضل قال: حدثنا ثابت بن يزيد، عن هلال بن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تحشرون حفاة عراة غرلا»، فقالت امرأة: أيبصر أو يرى بعضنا عورة بعض؟ قال: «يا فلانة» {لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه} [عبس: 37]. هذا حديث حسن صحيح، قد روي من غير وجه عن ابن عباس. وفيه عن عائشة
في هذا الحديثِ تقولُ أمُّ المؤمنين عائشةُ رَضِي اللهُ عَنها: "أُنزِل: {عَبَسَ وَتَوَلَّى} [عبس: 1]- في ابنِ أمِّ مكتومٍ الأَعْمَى"، أي: نزَلَت آياتُ سورةِ عبَس: {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى * كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} [عبس: 1 - 12]- في عَمرِو ابنِ أمِّ مكتومٍ، وهو عمرُو بنُ زائدةَ، ويُقال: عمرُو بنُ قيسِ بنِ زائدةَ، وكان رجُلًا أعمى ضَريرَ البصَرِ، و"عبَس"، أي: قَطَّب وَجهَه، "وتوَلَّى"، أي: أعرَض وتنحَّى، "أتى رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فجعَل يقولُ: يا رسولَ اللهِ، أرشِدْني"، أي: جاء عمرُو بنُ أمِّ مكتومٍ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فقال: يا رسولَ اللهِ، عَلِّمْني مِن أمورِ الدِّينِ وأرشِدْني إلى الحقِّ والصَّوابِ، "وعندَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم رجلٌ مِن عُظماءِ المشرِكين"، أي: عِندَما جاء عمرُو بنُ أمِّ مكتومٍ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم كان عندَ النَّبيِّ رجلٌ مِن كِبارِ المشرِكين وعُظَمائِهم يَدْعوه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم إلى الإسلامِ وتَوحيدِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وورَد في رِوايةٍ أخرى: أنَّ عُقبةَ وشَيبةَ ابْنَي رَبيعةَ هما مَن كان معَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِن المشرِكين. ... "فجَعَل رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يُعرِضُ عنه ويُقبِلُ على الآخَرِ"، أي: فكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مُهتَمًّا بالرَّجلِ المشرِكِ، ويُعْطيه حظًّا كبيرًا مِن الكلامِ والاهتمامِ، ولا يَهتَمُّ بابنِ أمِّ مكتومٍ، ولا يُعْطيه حظًّا مِن الكلامِ والاهتمامِ؛ وذلك لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم كان يَطمَعُ أنْ يُؤثِّرَ الكلامُ في الرَّجلِ المشرِكِ فيُسلِمَ، "ويقولُ: أتَرى بما أقولُ بأسًا؟ "، أي: وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يقولُ للرَّجلِ المشرِكِ: هل تَرى فيما أَعرِضُ عليك مِن أمرِ التَّوحيدِ والإسلامِ شيئًا تَكرَهُه؟ "فيَقولُ: لا"، أي: فيَرُدُّ الرَّجلُ المشرِكُ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ويقولُ: لا أرى بأسًا في كلامِك، "ففي هذا أُنزِل"، أي: ففي هذا الموقفِ نزَلَت آياتُ سورةِ عبَس، ولامَ اللهُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في إعراضِه عن عَمرِو ابنِ أمِّ مكتومٍ، وإقبالِه على الرَّجلِ المشرِكِ.وهذا لا يَقْدَحُ في مَقامِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأنَّه كان يَرْجو بإقبالِه على المشرِكِ أن يُسلِمَ قومُه بإسلامِه، وهذا مِن بابِ الْمُداراةِ، أمَّا ذِكْرُ المجيءِ معَ الأعمى معَ عَمَاه، فذلك يُنْبِئُ عن تَجشُّمِ كُلْفَةٍ، ومَن تَجشَّمَ القصْدَ إليك على ضَعْفٍ فحَقُّك الإقبالُ عليه لا الإعراضُ عنه، هذا مَع أنَّ ابنَ أمِّ مَكتومٍ لم يَكُنْ آمَنَ بعْدُ؛ فقد اللهُ تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} [عبس: 3]، ولو كان قد صحَّ إيمانُه لم يُعْرِضْ عنه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، ولو أعرَض عنه لكان العَتْبُ أشَدَّ، وكذلك لم يَكُنْ لِيُخبِرَ عنه ويُسمِّيَه بالاسْمِ المشتَقِّ مِن العَمى دونَ الاسمِ المشتَقِّ مِن الإيمانِ والإِسلامِ، لو كان قد دخَل في الإيمانِ قبلَ ذلك، وإنَّما دخَل بعدَ نُزولِ الآيةِ. ...
وفي الحديثِ: بيانُ صِدقِ إخبارِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بكلِّ ما أُوحِيَ إليه، وإنْ كان فيه لَومٌ عليه أو عتابٌ له