بقية حديث أبي مسعود البدري الأنصاري 2
مستند احمد
حدثنا يزيد بن هارون، قال: حدثنا أبو مالك، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة: " أن رجلا أتى به الله عز وجل، فقال: ماذا عملت في الدنيا؟ فقال له الرجل: ما عملت من مثقال ذرة من خير أرجوك بها، فقالها له ثلاثا، وقال في الثالثة: أي رب، كنت أعطيتني فضلا من مال في الدنيا، فكنت أبايع الناس، وكان من خلقي أتجاوز عنه، وكنت أيسر على الموسر، وأنظر المعسر، فقال عز وجل: نحن أولى بذلك منك، تجاوزوا عن عبدي، فغفر له " فقال أبو مسعود: هكذا سمعت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم
الإحْسانُ إلى النَّاسِ، والعَفْوُ عنهم، والتَّجاوُزُ عن مُعْسِرِهِم؛ مِن مَكارِمِ الشَّريعةِ الإسْلاميَّةِ ومَحاسِنِها، ومِن أعْظَمِ أسْبابِ نَجاةِ العبدِ يَومَ القِيامةِ
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ رجُلًا فيمَن سَبَقَنا مِن الأُمَمِ، أتاهُ مَلَكُ الموتِ ليَقبِضَ رُوحَه، فلمَّا قُبِضَ وبُعِثَ للحسابِ، قيلَ له: هَلْ عَمِلتَ مِن خَيْرٍ؟ فقالَ الرَّجلُ: ما أعْلَمُ. قيلَ له: انْظُرْ، أي: في عَمَلِك؛ لعلَّ لك عمَلًا صالحًا يُنجِّيك. فقالَ الرَّجلُ: ما أعْلَمُ شَيْئًا، إلَّا أنِّي كُنْتُ أُبايِعُ النَّاسَ في الدُّنْيا، «فَأُجازيهم»، أي: أتَقاضى وآخُذُ منهم وأُعْطِيهم. «فَأُنظِرُ الموسِرَ»، أي: أُمْهِله وقْتًا للسَّدادِ، «وأتَجاوَزُ»، أي: أتَسامَحُ عَن المُعْسِرِ، وهو غيرُ المستطيعِ، فيَضَعُ عنه ما عليه ويَترُكُه له، فأدْخَلَه اللهُ سُبحانَه الجَنَّةَ، فتَجاوَزَ اللهُ عزَّ وجلَّ عنه كما كان يَتجاوَزُ عن النَّاسِ، كما في رِوايةٍ أُخرى لمسلمٍ في صَحيحِه قال: «فقال اللهُ: أنا أحقُّ بِذا منكَ، تَجاوَزوا عن عَبْدي»
وفي الحديثِ: أنَّ اليَسيرَ مِنَ الحَسَنَاتِ إذا كان خالِصًا للهِ كفَّر كثيرًا مِن السَّيِّئاتِ
وفيه: عِظَمُ ثَوابِ مَن أخَّرَ مُطالَبةَ المُعْسِرِ، أو وَضَعَ دَيْنَه
وفيه: التَّربيةُ بالقصَّةِ، والاعتبارُ بأحوالِ السَّابقينَ