بيع الخمر 1
سنن النسائي
أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن ابن وعلة المصري أنه: سأل ابن عباس عما يعصر من العنب، قال ابن عباس: أهدى رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «هل علمت أن الله عز وجل حرمها؟»، فسار، ولم أفهم ما سار كما أردت، فسألت إنسانا إلى جنبه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «بم ساررته»، قال: أمرته أن يبيعها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الذي حرم شربها، حرم بيعها»، ففتح المزادتين حتى ذهب ما فيهما
الخَمرُ أمُّ الخبائثِ، وضَررُها أكثرُ مِن نفْعِها، ويَنبغي للمُسلمِ ألَّا يَشرَبَها بحالٍ، وقد حرَّمَ الشَّرعُ كلَّ صورِ الخَمرِ، وكلَّ صورِ الانْتِفاعِ بها
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي التَّابِعيُّ عبدُ الرَّحمنِ بنُ وَعْلةَ، أنَّه سألَ عبدَ اللهِ بنَ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما عن حُكمِ الشَّرابِ الَّذي يُعصَرُ منَ العنَبِ، وظاهِرُه أنَّه يَسألُ عنِ الخَمرِ الَّتي تُتَّخذُ منَ العنَبِ، فأخبَرَه عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ رجُلًا أَهْدَى إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ «رَاويةَ خَمرٍ»، والرَّاويةُ: قِرْبةٌ منَ الجِلدِ، فسَألَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هَلْ علِمْتَ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قدْ حرَّمَها؟ لعلَّ السُّؤالَ كان ليَعرِفَ حالَه، فإنْ كان عالِمًا بتَحريمِها، أنكَرَ عليه هَديَّتَها، وإمْساكَها، وحَملَها، وعزَّرَه على ذلك، فلمَّا أخبَرَه أنَّه كان جاهلًا بذلك عذَرَه، ولعلَّ الرَّجلَ كان ممَّن خارجَ المدينةِ قبلَ أنْ يَنتشِرَ حُكمُ تَحريمِها، فنَفى الرَّجلُ عِلمَه بالنَّهيِ والتَّحريمِ، فكلَّمَ هذا الرَّجلُ رَجلًا آخَرَ بجِوارِه سرًّا دونَ أنْ يَسمَعَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فسَألَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «بِمَ سَارَرْتَه؟» وإنَّما سأَلَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عمَّا سرَّ به؛ لمَا غلَبَ في ظنِّه أنَّ كلامَه للآخَرِ كان فيه ما يتعَلَّقُ بتلك الخَمرِ، فأرادَ أنْ يُبيِّنَ له شُموليَّةَ حُكمِ الخَمرِ، وأنَّ التَّحريمَ يَتعدَّى شُربَها كما سيأْتي، فَأجابَ الرَّجلُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «أمَرْتُه بِبَيْعِها»، وفي رِوايةٍ لأحمدَ: «فأقبَلَ الرَّجلُ على غُلامِه، فقال: اذهَبْ فبِعْها»، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «إنَّ الَّذي حرَّمَ شُربَها حرَّمَ بيْعَها»، فبَيعُها حَرامٌ مِثلُ شُربِها، وقولُه: «الَّذي» كنايةٌ عنِ اسمِ اللهِ تعالى، فكأنَّه قال: إنَّ اللهَ حرَّمَ شُربَها، وحرَّمَ بَيعَها، ويَحتمِلُ أنْ يكونَ مَعناه: إنَّ الَّذي اقْتَضى تَحريمَ شُربِها، اقْتَضى تَحريمَ بَيعِها؛ إذ لا تُرادُ إلَّا للشُّربِ، فإذا حُرِّمَ الشُّربُ لم يجُزِ البَيعُ؛ لأنَّه يكونُ من أكْلِ المالِ بالباطِلِ، فَفتحَ الرَّجلُ المَزادةَ -وهي القِرْبةُ- حتَّى سَكَبَ ما فيها وتَخلَّصَ منه
وظاهرٌ من إيرادِ ابنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما هذا الحديثَ جوابًا لسُؤالِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ وَعْلةَ: أنَّه أرادَ أنَّ التَّحريمَ يقَعُ في كُلِّ ما يكونُ يُعَدُّ خَمرًا، ويكونُ مُسكِرًا، ومُغيِّبًا للعقلِ، سواءٌ أكانت مُتَّخَذةً منَ العنبِ، أو من غيرِها
وفي الحَديثِ: حُسنُ تَعليمِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
وفيه: النَّهْيُ عَن بَيْعِ الخَمرِ
وفيه: أنَّ مَن أَهْدَى المُحَرَّمَ لم تُقبَلْ هَدِيَّتُه
وفيه: أنَّ مَنِ ارتكَبَ مَعْصيةً جاهلًا بتَحْريمِها لا إثْمَ عليه، ولا تَعزيرَ