تأويل قول الله تعالى: {وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط} [المائدة: 42] 2
سنن النسائي
أخبرنا عبيد الله بن سعد، قال: حدثنا عمي، قال: حدثنا أبي، عن ابن إسحق، أخبرني داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس: «أن الآيات التي في المائدة التي قالها الله عز وجل»: {فاحكم بينهم أو أعرض عنهم} [المائدة: 42] إلى {المقسطين} [المائدة: 42] «إنما نزلت في الدية بين النضير وبين قريظة وذلك أن قتلى النضير كان لهم شرف يودون الدية كاملة، وأن بني قريظة كانوا يودون نصف الدية فتحاكموا في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل ذلك فيهم، فحملهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحق في ذلك فجعل الدية سواء»
لَمَّا جاء الإسْلامُ أَرْسَى مَبادِئَ العدْلِ، ومَحَا أحْكامَ الجاهليَّةِ القائمَةِ على الظُّلمِ والغَبْنِ
وفي هذا الحَديثِ يقولُ ابنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: "كان قُرَيْظةُ والنَّضيرُ"؛ وهما قَبيلتانِ كانتا في المدينَةِ، "وكان النَّضيرُ أشْرَفَ من قُريظَةَ"، أي: كان بينهم تَفاوتٌ في الشَّرَفِ والمَكانَةِ العاليَةِ، وكانت قبيلَةُ بني النَّضيرِ تَفوقُ بني قُريظَةَ في ذلك، "فكان إذا قَتَلَ رجلٌ مِن قُريظَةَ رجلًا من النَّضيرِ"، أي: إذا تعَدَّى رجلٌ من قُريظَةَ على رجلٍ من النَّضيرِ فقتَلَه، كان جزاؤُه "أن يُقتَلَ بهِ"، أي: يكونُ جزاؤُه القتْلَ، والقِصاصَ، "وإذا قتَلَ رجلٌ من النَّضيرِ رجلًا من قُريظَةَ"، أي: أمَّا إذا وقَعَ القتْلُ من رجلٍ من النَّضيرِ على رجلٍ من قُريظَةَ "فُودِيَ بمائةِ وَسْقٍ من تمْرٍ"، أي: يَدفَعُ فيهِ ما يُشبِه الدِّيَةَ بالبَخْسِ، وقيمَتُه ستُّون صاعًا من تمْرٍ تُدفَعُ إلى ولِيِّ المَقتولِ
قال: "فلمَّا بُعِث النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ"، أي: لمَّا أَرسلَ اللهُ نبيَّه بالرِّسالَةِ وهاجَرَ إلى المدينَةِ، حدَثَ أنْ قتَلَ رجلٌ من النَّضيرِ رجلًا من قُريظَةَ، "فقالوا"، أي: قرَيظةُ: "ادفَعوه إلينا"، أي: أسلِموه إلينا "نقتُلُه"، أي: نقتَصُّ منه، "فقالوا"، أي: النَّضيرُ: "بَيننا وبينكم"، أي: يَحكمُ بيننا وبينكم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، "فأَتَوْه"، أي: القَبيلتان، "فنزَلَتْ"، أي: أُنزِلَت هذه الآيَةُ: {وَإِنْ حَكَمْتَ}، أي: إذا قضيْتَ بينَهم، {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ} فليكُن حكمُك وقضاؤك {بِالْقِسْطِ} [المائدة: 42]، أي: بالعَدْلِ، قال ابنُ عبَّاسٍ مفسِّرًا كلمةَ "القِسْطُ: النَّفسُ بالنَّفسِ"، أي: إنَّ العدْلَ هو أنْ تُقتَلَ النَّفسُ بالنَّفسِ، "ثمَّ نزلَتْ"، أي: هذه الآيَةُ {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} [المائدة: 50]، أي: أيَرْغَبون أن يَكونوا على ما هم عليهِ من أحْكامِ الجاهليَّةِ؛ من أنَّ الشَّريفَ إذا قَتل لا يُقتلُ، والذي ليس له من الشَّرَفِ شيئًا إذا قَتَل يُقتصُّ منه
وفي هذا الحَديثِ: بيانُ ما كان عليهِ اليَهودُ من ظُلْمٍ