تأويل قول الله عز وجل {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} [النساء: 24]

سنن النسائي

تأويل قول الله عز وجل {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} [النساء: 24]

أخبرنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي الخليل، عن أبي علقمة الهاشمي، عن أبي سعيد الخدري: " أن نبي الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشا إلى أوطاس، فلقوا عدوا فقاتلوهم، وظهروا عليهم فأصابوا لهم سبايا لهن أزواج في المشركين، فكان المسلمون تحرجوا من غشيانهن، فأنزل الله عز وجل {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} [النساء: 24] أي هذا لكم حلال إذا انقضت عدتهن "

لقدْ نظَّم الشَّرعُ أحكامَ الدِّينِ في السِّلمِ والحربِ، ولمَّا كانت الحربُ يَنتُجُ عنها أسْرى مِن رِجالِ العدُوِّ وسَبايا مِن نسائِهم؛ فقدْ أوضَحَ القرآنُ والسُّنةُ أحكامَ هؤلاء، فحرَّم وَطْءَ السَّبايا الحواملِ وذَواتِ الأزواجِ حتَّى تَضَعَ الحواملُ حمْلَهنَّ، وحتَّى تَثبُتَ بَراءةُ غيرِ الحاملِ مِن الحمْلِ بالحيْضِ
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أبو سعيدٍ الخُدريُّ رَضِي اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في غَزوةِ حُنينٍ، والتي وقَعَت في السَّنةِ الثَّامنةِ مِن الهجرةِ عَقِبَ فتْحِ مكَّةَ، بيْن المسلمينَ وأهلِ الطَّائفِ مِن قَبيلتَي هَوازِنَ وثَقيفَ، في وادٍ يُسمَّى حُنَينًا، بيْن مَدينةِ مكَّةَ والطَّائفِ، وكان الكفَّارُ قد خَرَجوا بأموالِهم ونِسائهِم وأطفالِهم، وبعْدَ هَزيمةِ هَوازنَ وثَقيفَ ونصْرِ اللهِ لنَبيِّه وللمسلمين، انسَحَبَ الفارُّونَ مِن الكفَّارِ إلى وادي أوطاسٍ، وهو قَريبٌ مِن حُنَينٍ، فبَعَثَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم إليهم جَيشًا إلى أَوطاسٍ، فلَقُوا عَدوًّا منَ الكُفَّارِ، فَقاتَلوهم فظَهَروا عليهم وغَلبوهم، وكان مِن غَنائمِهم سَبَايَا مِن نِساءِ المشركين، فجَعَل بعضٌ مِن أصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يَتحرَّجون والتَّحرُّجُ هو الخوفُ مِن مُواقَعةِ الإثمِ- مِن «غِشْيانِهنَّ»، أي: مُعاشرتِهنَّ وجِماعِهنَّ؛ وذلك مِن أجلِ أنَّهنَّ زَوجاتٌ، والمُزوَّجةُ لا تَحِلُّ لغيرِ زَوجِها، فقدْ ظَنُّوا أنَّ نِكاحَ أزواجِهنَّ لم تَنقطِعْ عِصمتُه، فأَنزَلَ اللهُ تَعالى في شأنِ بَيانِ وَطْءِ مَن تَحرَّجوا فيهنَّ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24]، أي: حُرِّم عليكم نِكاحُ المُحصَناتِ -والمرادُ بالمُحصَناتِ هنا المُزوَّجاتُ- إلَّا ما ملَكْتُم بالسَّبيِ؛ فإنَّه يَنفسِخُ نِكاحُ أزواجِهنَّ الكفَّارِ، ويَحلَلْنَ لكم بعْدَ استِبراءِ أَرحامِهنَّ مِن ماءِ الزَّوجِ الكافرِ؛ إمَّا بوضْعِ الحملِ إذا كانت حاملًا، أو بحَيضةٍ واحدةٍ إنْ لم تكُنْ مِن ذَواتِ الحمْلِ
وفي الحَديثِ: أنَّ نِكاحَ المشركين يَنفسِخُ إذا سُبِيَت زَوجاتُهم؛ لدُخولِها في ملْكِ سابِيها
وفيه: دَلالةٌ على تَوقُّفِ الإنسانِ وبَحثِه، وسُؤالِه عمَّا لا يَتحقَّقُ وَجْهُه ولا حُكمُه، وهو دأْبُ مَن يَخافُ اللهَ عزَّ وجلَّ