تفسير المسكين 3
سنن النسائي
أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا الليث، عن سعيد بن أبي سعيد، عن عبد الرحمن بن بجيد، عن جدته أم بجيد - وكانت ممن بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم - أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المسكين ليقوم على بابي فما أجد له شيئا أعطيه إياه، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لم تجدي شيئا تعطينه إياه، إلا ظلفا محرقا، فادفعيه إليه»
في هذا الحديثِ تَحكي أُمُّ بُجيدٍ رَضيَ اللهُ عنها- واسْمُها حواءُ، وهي من المُبايعاتِ: "أنَّها قالتْ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ المسكينَ ليَقومُ على بابي" سائلًا، "فما أَجِدُ له"، أي: للمسكينِ، "شيئًا أُعْطِيهِ إيَّاهُ"، أي: لا أَجِدُ شيئًا أَسْتطيعُ إعطاءَهُ للمسكينِ؛ وذلك للفَقْرِ وقِلَّةِ ذاتِ اليدِ، "فقال لها"، أي: لأُمِّ بُجيدٍ: "إنْ لَمْ تَجِدي له"، أي: للسَّائلِ، شيئًا تُعْطينَه إيَّاهُ، إلَّا "ظِلْفًا" هو للبَقَرِ والغَنَمِ كالحافِرِ للفَرَسِ والقَدَمِ للإنسانِ، وجَمْعُهُ ظُلوفٍ وأَظْلافٍ، "مُحَرَّقًا" مُبالَغةً في الإحراقِ، "فادْفَعيهِ إليهِ في يَدِهِ"، أي: في يَدِ المسكينِ السَّائلِ، وهذه مُبالَغةٌ في غايةِ ما يُعْطى السَّائلُ مِنَ القِلَّةِ، فلا تَرُدِّيهِ مَحرومًا بلا شيءٍ مَهْمَا أَمْكَنَ، حتَّى إنْ وَجدتِ شيئًا حَقيرًا مِثْلَ الظِّلْفِ المُحْرَّقِ فأَعْطيهِ إيَّاهُ، وهو أَقلُّ ما يُمكِنُ أنْ يُعْطَى ولا يَكادُ أنْ يَقْبَلَه المسكينُ ولا يَنْتفِعَ به إلَّا في وقتِ المجاعةِ والشِّدَّةِ، وقيل: إنَّ الظِّلْفَ المُحْرَّقَ كان له عِنْدَهم قَدْرٌ بأنَّهمْ يَسْحقُونَه ويَسَفُّونَهُ
وفي الحديثِ: الحثُّ على الرَّحْمةِ بعبادِ اللهِ تعالى، ومُراعاةِ خَواطرِهم، والحثُّ على الصَّدَقةِ، ولو بشَيءٍ قليلٍ