تفسير بيع حبل الحبلة
سنن النسائي
أخبرنا محمد بن سلمة، والحارث بن مسكين، قراءة عليه وأنا أسمع، واللفظ له، عن ابن القاسم قال: حدثني مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم: «نهى عن بيع حبل الحبلة، وكان بيعا يتبايعه أهل الجاهلية، كان الرجل يبتاع جزورا إلى أن تنتج الناقة، ثم تنتج التي في بطنها»
نَهَى الإسلامُ عن كلِّ أنواعِ الغِشِّ والخِداعِ الَّذي يقَعُ به الضرَرُ، والبُيوعُ هي أكثَرُ ما يقَعُ فيه الغِشُّ بين النَّاسِ إذا خَرِبَت الذِّممُ، والمسلمُ مأمورٌ بالتَّبيينِ والأمانةِ في البَيعِ والشِّراءِ
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "السَّلَفُ في حَبَلِ الحَبَلةِ رِبًا"، أي: حُكمُه حُكمُ الرِّبا في التَّحريمِ والنَّهيِ عنه؛ فعبَّر بالرِّبا عن الحرامِ، أو كأنَّه الرِّبا عامٌّ لكلِّ مُحرَّمٍ في الشَّرعِ، ومعنى الحديثِ: النهيُ عن بَيعِ الجَنينِ الذي يُولَدُ قَبلَ أنْ يُولَدَ، أو بَيعِ ما يُنتِجُه هذا الجنينُ، كأن يَشتريَ الرَّجلُ نِتاجَ ما سيَلِدُه ولَدُ دابَّةٍ من الدَّوابِّ كَناقةٍ ونحوِها وما تَلِدْ تِلك النَّاقةُ في حَملِها، أو أنْ يَشتريَ ولَدَ ولَدِها، فيُسلِم المُشْتَرِي الثّمنَ البائع الذي عنده نَاقَةٌ حُبْلَى وَيَقُولُ له: إِذا لدتِ الَّتِي في بَطنِها فقدِ اشْتريتُ مِنْك وَلَدهَا بِهَذَا الثَّمنِ؛ فالبائعُ في هذه الحالةِ يَبيعُ ما ليس عِندَه، وما هو في الغَيبِ وفي عِلمِ اللهِ ولم يُوجَدْ ولم يُولَدْ بعدُ، فجَمَع بين الجَهالةِ وبين عدَمِ المِلْكِ وبَيعِ ما لم يُخلَقْ وما لَيسَ عندَه وهو لا يَقدِرُ على تَسليمِه؛ ففيه غررٌ؛ فلذلك سُمِّيَ ربًا ونُهِيَ عنه؛ لأنَّ هذه المعاملةَ شَبيهةٌ بالرِّبا لكونِها حرامًا كالرِّبَا