حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه 39
مسند احمد
حدثنا عبد الرحمن، عن سفيان، عن واصل، عن المعرور، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إخوانكم جعلهم الله فتنة تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يديه، فليطعمه من طعامه، وليكسه من لباسه، ولا يكلفه ما يغلبه، فإن كلفه ما يغلبه فليعنه عليه "
لم يُفرِّقِ الإسلامُ بَيْنَ الْمُسلِمِينَ جميعِهم بِاللَّونِ أَوِ الِجْنِس أَوِ الطَّبَقَةِ؛ بل أمَرَ الْمُسلِمِينَ بمُعاملَة بعضِهِم بعضًا معاملةً حسَنَةً، كما أمَرَهُم بحُسْنِ الخلُقِ، وبذْلِ الإحْسانِ للنَّاسِ وخاصةً أهلَ الصَّنائِعِ الَّذينَ يخْدُمونَ النَّاسَ، وفي هذهِ الرِّواية - التي جمعَتْ بينِ روايَتَي البُخاريِّ وأبي دَاوُدَ- أنَّ أبا ذرٍّ الغِفَاريَّ رضي اللهُ عنه، كان قد شَتَمَ رجلًا وعيَّره بأُمِّه، فلمَّا سَمِعَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «أَعَيَّرتَه بِأمِّه؟ إِنَّك امْرُؤٌ فيكَ جاهليَّةٌ»، ثم قال النبيُّ: «هُمْ إخوانُكم خوَلُكم، جعلَهمُ اللهُ تَحتَ أيدِيكم»، أي: هم الَّذين يُخوَّلُون أمورَكم بمعنى يُصلِحونها مِنَ العَبيدِ والخَدَمِ وهُم إخوانُكم في الدِّينِ، جعلَهمُ اللهُ سبحانه وتعالى تحتَ سُلطانِكم، «فمَنْ كان أَخوه تَحتَ يدِه" أي: يَخْدُمُه "فَلْيُطعمْه مِمَّا يأكلُ، ويُلبِسْه ممَّا يَلبَسُ" أي: فَعَلى السَّيِّدِ أنْ يتكَلَّفَ بإطعامِ خادمِه ومملوكِه وَكِسْوتِه "ولا تُكلِّفوهم ما يَغلبُهم، فإنْ كلَّفتُموهم فَأَعينُوهم» يعني: لا تَطلبُوا منهم مِنَ العملِ ما لا يَستطيعونَ فِعلَه، فإنْ أَمَرتُموهم بِشيءٍ مِن ذلك فعليكم إعانتُهم، "ومَن لم يُلائِمْكم"، أي: ومَن لم يكُن مُساعِدًا ومُوافِقًا لكُم "مِنهم"، أي: من المَمالِيكِ، "فَبِيعوهُم، ولا تُعذِّبوا خلْقَ اللهِ"، فأمَرَ ببيْعِهِ مَخافَةَ ضَربِه وإيذائِه لعدم فائِدتِه، وفي هذا إشارةٌ إلى العَفوِ عنه وعدمِ ضَربِه لحَضِّه على الخِدمَةِ، وقوله: "ولا تُعذِّبوا خلْقَ اللهِ"؛ فأنتُم وهم سَواءٌ في كونِكم خَلقَ اللهِ تعالى، ولا يَدخُل في هذا ضرْبُ الدوابِّ التي لا تَعقِلُ ضربًا غيرَ مبرِّحٍ للتأدِيبِ؛ لأنَّها لا تَتأدَّبُ بالكلامِ كالإنسان.
وفي الحَديثِ: تَقبيحُ أمورِ الجاهليَّةِ وأخلاقِها، وأنَّها زائلةٌ بالإسلامِ، وأنَّ على كلِّ مِسلمٍ هِجرانَها واجتنابَها، وألَّا يَكونَ فيه شَيءٌ مِن أَخلاقِهِم.
وفيه: الحثُّ على الإحسانِ إلى الرَّقيقِ والخَدَمِ ومَن في مَعناهم كالأَجيرِ وغيرِه، والرِّفقِ بهم.
وفيه: عدَمُ الترفُّعِ على المُسلمِ، والنهيُ عن احتقارِه[1].