حديث أبي سريحة الغفاري حذيفة بن أسيد 2
مستند احمد
حدثنا سفيان، عن عمرو، عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسيد الغفاري، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين ليلة - وقال سفيان مرة: أو خمس وأربعين ليلة - فيقول: يا رب، ماذا أشقي أم سعيد؟ أذكر أم أنثى؟ فيقول الله تبارك وتعالى، فيكتبان، فيقولان: ماذا؟ أذكر أم أنثى؟ فيقول [ص:65] الله عز وجل، فيكتبان، فيكتب عمله، وأثره، ومصيبته، ورزقه، ثم تطوى الصحيفة، فلا يزاد على ما فيها ولا ينقص "
كَتَبَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ أقدارَ الخَلائِقِ في اللَّوحِ المَحفوظِ، وهي واقِعةٌ وَفْقَ ما قَضَى اللهُ عَزَّ وجَلَّ وقَدَّرَ
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ الجَنينَ في بَطنِ أُمِّه يَمُرُّ في تَكوينِه بأربَعةِ أطوارٍ؛
فيَكونُ في الطَّوْرِ الأوَّلِ لِمُدَّةِ أربَعينَ يَومًا حَيَوانًا مَنَويًّا يَجتَمِعُ ببُوَيْضةِ الأُنثى، فيُلَقِّحُها، وتَحمِلُ المَرأةُ بإذْنِ اللهِ تَعالى
ثمَّ يَتَحوَّلُ في الطَّوْرِ الثَّاني لِمُدَّةِ أربَعينَ يَومًا إلى قِطعةِ دَمٍ جامِدةٍ تَعْلَقُ بالرَّحِمِ
ثمَّ يَتحَوَّلُ في الطَّوْرِ الثَّالِثِ لِمُدَّةِ أربَعينَ يَومًا إلى قِطعةِ لَحمٍ صَغيرةٍ بقَدْرِ ما يَمضُغُ الإنسانُ في الفَمِ
ثمَّ في الطَّورِ الرَّابِعِ يَبدَأُ تَشكيلُه وتَصويرُه، ويَكونُ قد أكمَلَ أربَعةَ أشهُرٍ، فيُرسِلُ اللهُ إليه المَلَكَ المُوَكَّلَ بالأرحامِ؛ فيَكتُبُ أعمالَه التي يَفعَلُها طِيلَةَ حَياتِه خَيرًا أو شَرًّا، ورِزقَه وأجَلَه، ويَكتُبُ خاتِمَتَه ومَصيرَه الذي يَنتَهي إليه إنْ كانَ مِن أهلِ الشَّقاوةِ أو مِن أهلِ السَّعادةِ، وتَقَعُ الأعمالُ وَفْقَ ما كُتِبَ؛ فإنَّ الرَّجُلَ لَيَعمَلُ بعَمَلِ أهلِ الجنَّةِ، حتَّى ما يَكونُ بيْنه وبيْنَ الجَنَّةِ إلَّا ذِراعٌ -وهو غَايةُ القُرْبِ- فيَسْبِقُ عليه كِتابُه، بأنْ يَكونَ قد كُتِبَ عليه سابِقًا في بَطنِ أُمِّه أنَّه شَقيٌّ؛ فيُختَمُ له بالشَّقاوةِ، فيَعمَلُ بعَمَلِ أهلِ النَّارِ فيَدخُلُها كما سبَقَ به القَدَرُ، وفي الجِهةِ الأُخْرى قد يَعمَلُ بعَمَلِ أهلِ النَّارِ، حتَّى يَقتَرِبَ منها اقتِرابًا شَديدًا، بألَّا يَكونَ بيْنَه وبيْنَها إلَّا ذِراعٌ، فيَسبِقُ عليه ما كُتِبَ سَلَفًا في كِتابِه بأنَّه مِن أهلِ الجَنَّةِ، فيَعمَلُ بعَمَلِ أهلِ الجَنَّةِ، فيَدخُلُها
وهذه الصُّورةُ المذكورةُ في الحديثِ يُفسِّرُها حَديثُ سَهلِ بنِ سَعدٍ السَّاعِديِّ رَضيَ اللهُ عنه في الصَّحيحينِ: «إنَّ الرَّجُلَ لَيَعمَلُ عَمَلَ أهلِ الجَنَّةِ فيما يَبْدو لِلنَّاسِ وهو مِن أهلِ النَّارِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَعمَلُ عَمَلَ أهلِ النَّارِ فيما يَبْدو لِلنَّاسِ وهو مِن أهلِ الجَنَّةِ»؛ فما يظهرُ للنَّاس غير ما يُقدِرُه الله له ويختم له به
وفي الحَديثِ: الإيمانُ بالقَدَرِ، سَواءٌ تَعلَّقَ بالأعمالِ أو بالأرزاقِ والآجالِ
وفيه: عَدَمُ الاغتِرارِ بصُوَرِ الأعمالِ؛ لِأنَّ الأعمالَ بالخَواتيمِ
وفيه: أنَّ الأعمالَ مِنَ الحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ أمَاراتٌ لا مُوجِباتٌ، وأنَّ مَصيرَ الأمْرِ في العاقِبةِ إلى ما سَبَقَ به القَضاءُ وجَرَى به التَّقديرُ