حديث أبي عقرب 2
مسند احمد
حدثنا عفان، (1) حدثنا الأسود بن شيبان، قال: سمعت أبا نوفل بن أبي عقرب، يقول: سأل أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصوم، فقال: " صم يوما من كل شهر "، فقال: يا رسول الله، بأبي وأمي، زدني، قال: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " زدني، زدني صم يومين من كل شهر "، فقال: يا رسول الله، بأبي وأمي، زدني، فإني أجدني قويا، قال: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني أجدني قويا، إني أجدني قويا، إني أجدني قويا " قال: فألحم، أي: أمسك، حتى ظننت أنه لن يزيدني، قال: ثم قال: " صم ثلاثة أيام من كل شهر "
وفي هذا الحَديثِ يَحْكي عَبدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو رضِيَ اللهُ عنهما أنَّ أباه عَمْرَو بنَ العاصِ رضِيَ اللهُ عنه زوَّجَه امْرَأةً -يُقالُ: إنَّها أُمُّ مُحَمَّدٍ بِنتُ مَحْميةَ بنِ جَزْءٍ الزُّبَيْديِّ- ذاتَ شَرَفٍ وحسَبٍ، فَكانَ عَمْرٌو رضِيَ اللهُ عنه يَتَعاهَدُ «كَنَّتَه»، أي: زَوجةَ ابنِه، فَيَسأَلُها عَن شَأنِ ابنِه معها، فَتَقولُ: «نِعْمَ الرَّجُلُ مِن رَجُلٍ؛ لَم يَطَأْ لَنا فِراشًا»، أي: لَم يُضاجِعْنا حَتَّى يَطَأ لَنا فِراشًا، «وَلَم يُفَتِّش لَنا كَنَفًا»، أي: ساتِرًا «مُنذُ أتَيْناه»، وكنَّت بذلك عن تركِه لجماعِها؛ إذ عادةُ الرَّجُلِ إدخالُ يَدِه في داخِلِ ثَوبِ زَوجتِه.
فَلَمَّا طالَ ذَلك على عَمْرٍو رضِيَ اللهُ عنه، وَخافَ أنْ يَلحَقَ ابنَه إِثمٌ بِتَضْييعِ حَقِّ الزَّوجةِ، ذَكَرَ ذَلك للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، طلب منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يقابِلَ عَبدَ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه، فلما التقى به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سأله: كَيْفَ تَصومُ؟ فَأجابَه: أصومُ كُلَّ يَومٍ.
فتمَنَّى عَبدُ اللهِ بنُ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما بعدما كَبِرَ وضَعُفت قوَّتُه أنْ لو كان قَبِلَ التخفيفَ مِن رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَكانَ يَقرَأُ على مَن تَيسَّرَ له من أهلِه السُّبْعَ مِن القُرْآنِ بِالنَّهارِ، والَّذي يُريدُ أن يَقْرَأه بِاللَّيْلِ يَعرِضه مِن النَّهارِ؛ ليَكونَ أخَفَّ عليه بِاللَّيلِ.
وَإِذا أرادَ أن يَتَقَوَّى على الصِّيامِ أفْطَرَ أيَّامًا، وَأحْصى عَدَد الأيَّام التي أفطرها وَصامَ أيَّامًا مِثلَهنَّ؛ لئلَّا يَترُكَ شَيْئًا مات النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكان عبدُ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه يفعَلُه.
وفي الحَديثِ: أنَّ أفْضلَ صَومِ التَّطوُّع هو صَوْمُ نَبيِّ الله داوُدَ عليه السَّلامُ.
وفيه: الاقتِصادُ في بَعْضِ العِباداتِ؛ ليَتَبَقَّى بَعضُ القوَّةِ لغَيرِها.
وفيه: بَيانُ رِفقِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأُمَّتِه، وَشَفَقَتِه عليهم، وَإِرشادِه إيَّاهُم إلى ما يُصلِحهم، وَحَثِّه إيَّاهم على ما يُطيقونَ الدَّوامَ عليه، وَنَهْيهم عَن التَّعمُّقِ في العِبادةِ؛ لما يُخْشى مِن إِفْضائِه إلى المَلَلِ أو تَركِ البَعضِ.
وفيه: تقديمُ الواجِبِ من حَقِّ الأهلِ على التطَوُّعِ بالصِّيامِ والقيامِ.
وفيه: الإخبارُ عن الأعمالِ الصَّالحةِ، والأورادِ، ومحاسِنِ الأعمالِ عند أَمْنِ الرِّياءِ.
وفيه: تفَقُّدُ الوالِدِ أحوالَ وَلَدِه وزوجتِه في بَيتِه.
وفيه: استخدامُ الكناياتِ في الكلامِ عَمَّا يُستقبَحُ ذِكْرُه.