حديث أبي موسى الأشعري 114
مستند احمد
حدثنا عفان، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا عاصم الأحول، عن أبي كبشة قال: سمعت أبا موسى يقول على المنبر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل الجليس الصالح كمثل العطار، إن لا يحذك يعبق بك من ريحه، ومثل الجليس السوء كمثل صاحب الكير»
مُصاحبةُ الصَّالحينَ ومُجالستُهم مِن شِيَمِ الأخيارِ، وهو طَريقٌ لنَيلِ السَّعادةِ في الدَّاريْنِ، أمَّا مُصاحبةُ الأشرارِ الطَّالِحين فمِن شِيَمِ ضِعافِ النُّفوسِ، وطَريقٌ للخَسارةِ والبَوارِ
وفي هذا الحديثِ يَضْرِبُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِثالَينِ لِصِنْفَيْنِ مِنَ النَّاسِ، وهُمَا الجليسُ الصَّالِحُ والجليسُ السَّوءُ؛ وذلك ليُقرِّبَ لنا المعانيَ، ويَحُثَّنا على الْتزامِ الخيرِ والابتعادِ عن السُّوءِ والشَّرِّ
المثالُ الأوَّلُ للجليسِ الصَّالحِ، والجَلِيسُ هو الَّذي يُجَالِسُ غيرَهُ مِنَ النَّاسِ، والصَّالحُ هو مَنْ يَدُلُّ جَليسَهُ على اللهِ تعالَى وما يُقَرِّبُ إليه؛ مِن قَولٍ، أو عَمَلٍ؛ فيُخبِرُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ هذا الجَليسَ الصَّالحَ مِثلُ صاحِبِ المِسكِ، لن تَفْقِدَ منه أَحَدَ أمرَيْنِ: «إمَّا تَشْتَرِيهِ، أو تَجِدُ رِيحَهُ»، أي: إمَّا أنْ تَشتريَ مِن مِسكِهِ وعُطُورِهِ، أو تَجِدَ وَتَشَمَّ مِن رِيحِهِ الطَّيِّبَةِ، وكذلك الجليسُ الصَّالحُ؛ إمَّا أنْ تَأخُذَ منه خَيرًا، وتَنتفِعَ به، أو أنْ تَجِدَ مِن مُجالَستِهِ رَوْحًا وطِيبًا
والمثالُ الثاني للجَليسِ السَّوءِ، وهو مَنْ يُجالِسُ غيرَه ويَصُدُّه عن سَبيلِ اللهِ، ومَا يُقَرِّبُ إليه، مِن قَولٍ وعمَلٍ؛ فشَبَّهَه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ بـ«كِيرِ الحدَّادِ»، أي: إنَّه كصاحبِ الكِيرِ، وهو زِقٌّ أو جِلدٌ غَليظٌ تُنْفَخُ به النَّارُ. فنافخُ الكيرِ هذا إمَّا أنْ يُحرِقَ بدَنَك أو ثِيابَك مِن شرَرِه المُتطايرِ، أو تَجِدَ مِن مُجالَستِه رِيحًا خَبيثةً، فيَجلِبَ لك كَرْبًا وضِيقًا، وتَشَمَّ منه ما يُؤذِيك، وهكذا الجليسُ السَّوءُ إمَّا أنْ تَطالَك شُرورُ أفعالِه، فتُشارِكَه أوزارَه، وتَحترِقا بنارِها، وإمَّا أنْ تَرى القبيحَ وسُوءَ الفعلِ أمامَك، فتُذمَّ لمُصاحبةِ ومُجالَسةِ مَن هذا حالُه
وفي الحديثِ: الحَثُّ والتَّرغيبُ على مُجالَسةِ أهلِ الطاعةِ والصَّلاحِ، ومُجانَبةِ أهلِ الفَسادِ وأصحابِ الخُلقِ السَّيِّئِ