حديث أبي موسى الأشعري 138
مستند احمد
حدثنا وكيع، حدثنا شعبة، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا، وأبا موسى إلى اليمن فقال: «بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا، وتطاوعا ولا تختلفا» قال: فكان لكل واحد منهما فسطاطا يكون فيه يزور أحدهما صاحبه قال أبو عبد الرحمن: أظنه عن أبي موسى
كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعلِّمُ أصحابَه التيْسيرَ على الناسِ في كلِّ أُمورِهم، كما علَّمَهمُ التشاوُرَ فيما يَعِنُّ من أُمورٍ تَحتاجُ إلى اجتِهادٍ وتَداوُلٍ في الآراءِ
وفي هذا الحديثِ يَرْوي أبو موسى الأشْعَريُّ رضِيَ اللهُ عنه: "أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعَثَ مُعاذًا، وأبا موسى إلى اليمَنِ" لِيُعلِّموا النَّاسَ أمورَ دينِهم، ويَجْمَعوا صَدقاتِ أموالِهم، وكان ذلك سَنةَ تِسعٍ منَ الهِجرةِ، وقيلَ: عَشْرٍ، وتُبيِّنُ رِوايةُ البُخاريِّ أنَّه بعَثَ كُلَّ واحِدٍ منهما على إقْليمٍ، وكان اليمَنُ يَنقَسِمُ على إقليمَينِ، وكانت جِهةُ مُعاذٍ رضِيَ اللهُ عنه العُلْيا إلى صَوبِ عَدَنَ، وَجِهةُ أبي موسى رضِيَ اللهُ عنه السُّفْلى، فأوْصاهمُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: "بَشِّروا" الناسَ بفَضلِ اللهِ وعَظيمِ ثَوابِهِ وجَزيلِ عَطائِه وسَعةِ رَحمتِه، "ولا تُنَفِّروا" الناسَ منَ الدِّينِ بأفْعالِكم أو بالاقتِصارِ على ذِكرِ التخْويفِ وأنْواعِ الوَعيدِ مَحضةً من غيرِ ضَمِّها إلى التبْشيرِ، "ويَسِّروا"، أي: وسَهِّلوا على الناسِ أُمورَ الدِّينِ، واسْلُكوا ما فيه السهولةُ، سَواءٌ كان فيما يَتعلَّقُ بأعمالِكم، أو مُعاملاتِكم، "ولا تُعَسِّروا" فلا تُصَعِّبوا عليهم أُمورَ دِينِهم ودُنْياهم؛ بأنْ تَأْخُذوا أكثَرَ ممَّا يجِبُ عليهم، أو أحسَنَ منه، أو بتتَبُّعِ عَوْراتِهم، وتَجسُّسِ حالاتِهم، واللهُ يقولُ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185].
"وتَطاوَعَا ولا تَختَلِفَا"، أي: فاتَّفِقَا فيما بينَكما في الآراءِ ولا تَجعَلوا بينَكم خِلافًا يُؤدِّي إلى الفُرقةِ، وهذا منَ الأُمورِ المُهمَّةِ، فإنَّ غالبَ المَصالِحِ لا يَتِمُّ إلَّا بالاتِّفاقِ، ومتى حصَلَ الاخْتِلافُ فاتتِ المَصلَحةُ. قال التابِعيُّ أبو بُرْدةَ بنُ أبي موسى: "فكان لكلِّ واحدٍ منهما فُسطاطٌ يكونُ فيه، يَزورُ أحَدُهما صاحبَه"، والفُسطاطُ هو الخَيْمةُ التي يَعيشُ فيها كلُّ واحدٍ منهم، في مِنطَقةِ حُكمِه، فكان كلُّ واحدٍ منهما يَزورُ أخاه إظهارًا للوُدِّ، وللتشاوُرِ فيما بينَهما. وجمْعُ الحديثِ في هذه الألفاظِ بينَ الشَّيءِ وضِدِّه يدُلُّ على ضَرورةِ الاستِمرارِ والمُداوَمةِ على فِعلِ المَأْمورِ به، والبُعدِ عنِ المَنْهيِّ عنه
وهذا الحَديثُ يَشتمِلُ على خَيرَيِ الدُّنيا والآخِرةِ؛ فأمَرَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فيما يَتعلَّقُ بالدُّنْيا بالتسهيلِ، وفيما يَتعلَّقُ بالآخِرةِ بالوَعدِ بالخَيرِ والإخْبارِ بالسرورِ تَحْقيقًا لكَونِه رَحمةً للعالَمينَ في الدارَينِ
وفي الحديثِ: التدَرُّجُ في تَعْليمِ الناسِ
وفيه: أمرُ الوُلاةِ بالرِّفقِ، واتِّفاقُ المُتَشارِكَينِ في وِلايةٍ ونَحوِها
وفيه: وَصيَّةُ الحاكِمِ للوُلاةِ وإنْ كانوا أهلَ فَضلٍ وصَلاحٍ؛ فإنَّ الذِّكْرى تَنفَعُ المُؤمِنينَ