حديث أبي موسى الأشعري 162
مستند احمد
حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا عاصم الأحول، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي موسى قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر قال: فهبطنا في وهدة من الأرض. قال: فرفع الناس أصواتهم بالتكبير فقال: «أيها الناس اربعوا على أنفسكم؛ فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا. إنكم تدعون سميعا قريبا» . قال: ثم دعاني وكنت منه قريبا فقال: يا عبد الله بن قيس «ألا أدلك على كلمة من كنز الجنة؟» قال: قلت: بلى. قال: «لا حول ولا قوة إلا بالله»
لا يَعْمَلُ المؤمنُ عَمَلًا إلَّا بتوفيقِ اللهِ وهِدايتِه، ولو وَكَلَه اللهُ إلى نفْسِهِ لَضَلَّ طَريقَهُ؛ فكلُّ قُوَّةٍ يصِلُ بها المرءُ إلى غايتِه؛ فإنَّما هي بِحَوْلِ اللهِ تعالى ومَعُونَتِهِ
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أبو هُرَيْرةَ رضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أنَّه قالَ له: "أَلَا أُعلِّمُكَ -أو أَلَا أَدُلُّكَ على-" وهو أُسلوبُ اسِتْفهامٍ، الغَرَضُ منه الحضُّ على التعلُّمِ، وقولُهُ: "كَلِمةً من تحتِ العَرْشِ"، أي: كَلِمةً أُنزِلَتْ منَ الكَنْزِ الذي تحتَ العَرْشِ، وهي أيضًا "مِن كَنْزِ الجنَّةِ؟" ومعنى الكَنْزِ هنا أنَّه ثوابٌ مُدخَّرٌ في الجنَّةِ، وهو ثوابٌ نفيسٌ لمن أرادَ تَحْصيلَه، كما يُدَّخَرُ الكَنزُ، وهو المالُ المجموعُ المُخبَّأُ، أو أنَّها مِن ذَخائِرِ الجنَّةِ ومُحصِّلاتِ نَفائسِها؛ وذلك أنَّ قولَها يَحصُلُ به الثَّوابُ العظيمُ، فتَنفَعُ صاحِبَها يومَ لا يَنفَعُ مالٌ ولا بَنونَ
"تقولُ: لا حوْلَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ"، ومَعْناها: التبرُّؤُ مِن القُوَّةِ والحِيلَةِ، والإقرارُ بأنَّه لا يُوصَلُ إلى تَدبيرِ أمرٍ، وتغييرِ حالٍ إلَّا بِمَشِيئَةِ الله وعَوْنِهِ، وقيل مَعْناها: لا حَولَ في دَفْعِ الشَّرِّ، ولا طاقةَ بجَلْبِ خَيرٍ إلَّا بإذنِ اللهِ، وفيها اعِتْرافٌ مِن قائلِها بالإذْعانِ والخُضوعِ للهِ وتَسْليمِ الأمْرِ إليه، "فيقولُ اللهُ"، أي: إذا قال العبْدُ هذه الكَلِمةَ قال اللهُ عزَّ وجلَّ لملائكتِهِ مُعْلِمًا لهم بكمالِ قائلِها، "أسْلَمَ عبدي" بمعنى انقادَ وتَرَكَ العِنادَ، أو أخْلَصَ في العُبوديَّةِ بالتَّسْليمِ لأُمورِ الرُّبوبيَّةِ، "واسْتَسْلَمَ" بمعنى بالَغَ في الانْقيادِ، وقطْعِ النَّظَرِ عنِ العِبادِ، وقيل: أي: فوَّضَ أُمورَ الكائِناتِ إلى اللهِ بأسْرِها، وانْقادَ هو بنَفْسِهِ للهِ مُخلِصًا له الدِّينَ؛ لأنها كَلِمةُ اسْتِسْلامٍ وتَفْويضٍ إلى اللهِ تعالى، واعْتِرافٍ بالإذْعانِ له، وأنَّه لا صانِعَ غيرُهُ ولا رادَّ لأمْرِهِ، وأنَّ العبدَ لا يَملِكُ شيئًا من الأمْرِ
وفي الحديثِ: الحثُّ على الإكْثارِ مِن ذِكرِ اللهِ تعالى
وفيه: تَعليمُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لأُمَّتِهِ ما يَنفَعُها في الميعادِ