حديث أبي موسى الأشعري 29
مستند احمد
حدثنا وكيع، عن المسعودي، عن عدي بن ثابت، عن أبي بردة، عن أبي موسى، أن أسماء لما قدمت لقيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه في بعض طرق المدينة فقال: آلحبشية هي؟ قالت: نعم. فقال: نعم القوم أنتم. لولا أنكم سبقتم بالهجرة. فقالت هي لعمر: كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل راجلكم، ويعلم جاهلكم، وفررنا بديننا. أما إني لا أرجع حتى أذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فرجعت إليه فقالت له. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " بل لكم الهجرة مرتين: هجرتكم إلى المدينة، وهجرتكم إلى الحبشة "
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ أمَرَ بعضَ أصحابِه بِالهِجرِة إلى الحَبَشةِ فِرارًا بدِينِهم؛ لأنَّ مَلِكَها النَّجاشِيَّ كان رجُلًا عادِلًا، وكان فيهم جَعفَرُ بنُ أبي طالبٍ رضِيَ اللهُ عنه، ثم هاجَروا إلى المَدينةِ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكان ذلك بعدَ فَتحِ خَيْبرَ
وفي هذا الحَديثِ يَحكي أبو موسى الأشْعَريُّ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ لَقِيَ أسْماءَ بِنتَ عُمَيْسٍ رضِيَ اللهُ عنهما، وكانتْ أسماءُ ممَّن هاجَرَ إلى الحَبَشةِ معَ زَوْجِها جَعفَرِ بنِ أبي طالبٍ، وولَدَتْ له هناك، وكانت أُختَ مَيمونةَ بنتِ الحارِثِ زَوجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأُمِّها، فقال لها عُمَرُ رضِيَ اللهُ عنهما: "نِعمَ القومُ أنتم"، يُثْني عليها وعلى مَن هاجَرَ معَها إلى الحَبَشةِ، "لولا أنَّكم سبَقْتم بالهِجرةِ، ونحن أفضَلُ منكم"، وفي رِوايةِ مُسلِمٍ: "سَبَقْناكم بالهِجرةِ، فنحن أحَقُّ برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ منكم"، ومَقصِدُه أنَّ الهِجرةَ إلى المَدينةِ ومَن سابَقَ إليها أفضَلُ ممَّن تأخَّرَ عنها، فقالت أسْماءُ رضِيَ اللهُ عنها: "كنتم معَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعَلِّمُ جاهِلَكم"، فيُعَلِّمُه أُمورَ الدِّينِ وما جَهِلَه منها، "ويَحمِلُ راجِلَكم"، فيُعينُه بدابَّةٍ يَركَبُها والراجِلُ هو مَن يَمْشي على رِجْلِه، وليس له دابَّةٌ تَحمِلُه، "وفَرَرْنا بدِينِنا"، فهَرَبْنا خَوْفًا على دِينِنا إلى الحَبَشةِ، والمَعنى: أنَّه وإنْ كنتم هاجَرْتم إلَّا أنَّكم كُنتم معَ رسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فوُجودُه معَكم رفَعَ كثيرًا منَ المَشقَّةِ والحَرَجِ، وهذا لم يكُنْ مُمكِنًا معَ مَن هاجَرَ الحَبَشةَ واجْتِهادِهمُ الشخْصيِّ في كَثيرٍ منَ المَشقَّاتِ، فمُرادُها: بيانُ أنَّ مَن هاجَرَ ولم يكُنْ معَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أعظَمُ حالًا ممَّن هاجَرَ ومعَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثم قالت أسْماءُ رضِيَ اللهُ عنها: "لا أنْتَهي حتى أدخُلَ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، وفي رِوايةِ مُسلمٍ: "وايْمُ اللهِ، لا أطعَمُ طعامًا ولا أشرَبُ شَرابًا حتى أذكُرَ ما قُلتُ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، قال أبو موسى رضِيَ اللهُ عنه: "فدخلَتْ، فذكَرَتْ ما قال لها عُمَرُ رضِيَ اللهُ عنه، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: بل لكمُ الهِجْرةُ مرَّتَيْنِ"، لكم أجْرُ الهِجْرةِ مُضاعفًا: "هِجرَتُكم إلى الحَبَشةِ، وهِجرَتُكم إلى المَدينةِ" يَعنى: هِجرَتَكم من مكَّةَ إلى الحَبَشةِ، ثم هِجرتَكم منَ الحَبَشةِ إلى المَدينةِ
وفي الحديثِ: مَنقَبةٌ عظيمةٌ لمُهاجِري الحَبَشةِ