حديث أبي موسى الأشعري 62

مستند احمد

حديث أبي موسى الأشعري 62

 حدثنا عفان، حدثنا حماد، عن ثابت البناني، وعلي بن زيد، والجريري، عن أبي عثمان النهدي [ص:346]، عن أبي موسى الأشعري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة» . قال: وما هو؟ قال: «لا حول ولا قوة إلا بالله»

كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُوصي أصحابَه بما فيه النفعُ والخيرُ لهم في الدُّنيا والآخِرةِ
وفي هذا الحديثِ يقولُ أبو ذَرٍّ الغِفاريُّ رَضِي اللهُ عنه: "أَوصاني خليلي صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بخِصالٍ مِن الخيرِ"، والمرادُ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَهِدَ إليه بأمورٍ فيها الخيرُ لمَن التزَمَها وعَمِل بها، ووضَعَ قولَه: "خليلي" مكانَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ إظهارًا لغايةِ تعطُّفِه وحبِّه الشديدِ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "أَوصاني: بألَّا أنظُرَ إلى مَن هو فَوقي"، وهو الذي يَتقدَّمُ على الإنسانِ في المالِ والغِنى والمناصبِ، والمرادُ ألَّا أطلُبَ ما في يدِ الآخَرينَ مِن أمورِ الدُّنيا، "وأنْ أنظُرَ إلى مَن هو دوني"، وهو الذي أقَلُّ منه في المالِ أو الصِّحَّةِ ونحوِه؛ وذلك حتى يَقنَعَ الإنسانُ بما في يدِه فيَحمَدَ اللهَ ويشكُرَه عليه، فيَنشغِلَ بالعِبادةِ والطاعةِ، وتَستقِرَّ له نفسُه وروحُه أكثَرَ مِن أنْ يَنشغِلَ بطلبِ الدُّنيا فيُرهِقَ نفسَه ويشُقَّ عليها بما هو زائلٌ، "وأَوصاني: بحُبِّ المَساكينِ، والدُّنوِّ منهم"، والمِسكينُ هنا: مَن كان قَلبُه مُستَكينًا للهِ خاضِعًا له خاشعًا، ولأنَّ المساكينَ ليس عِندَهم مِن الدُّنيا ما يُوجِبُ مَحبَّتَهم لأَجْلِه؛ فلا يُحَبُّونَ إلَّا للهِ عزَّ وجلَّ، والحبُّ في اللهِ مِن أَوثَقِ عُرى الإيمانِ، والمُحِبُّ لأهلِ الإيمانِ وأهلِ طاعةِ اللهِ تعالى يَقرُبُ أنْ يَعمَلَ بعمَلِهم، "وأَوصاني: أنْ أَصِلَ رَحِمي وإنْ أدبَرَتْ" بعُدتْ، أو أنَّهم قطَعوها، والرَّحِمُ هي الصِّلةُ التي تكونُ بينَ الشَّخْصِ وغيرِه، والمرادُ بها هنا: الأَقارِبُ، ويُطلَقُ عليهم: أُولو الأرحامِ، "وأَوصاني: ألَّا أخافَ في اللهِ لَومةَ لائمٍ" بألَّا يُقدِّمَ الخوفَ مِن أحدٍ على الخوفِ مِن اللهِ عزَّ وجلَّ، ولكنْ يَصدَعُ بالحقِّ، "وأَوصاني: أنْ أقولَ الحقَّ وإن كان مُرًّا"، وألَّا يَخشى أحدًا في قولِ الحقِّ وإنْ أُوذيَ فيه، "وأَوصاني: أنْ أُكثِرَ مِن قولِ: لا حَوْلَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ"، وهي كلمةٌ فيها اعترافٌ مِن قائلِها بالإذعانِ والخضوعِ للهِ وتسليمِ الأمرِ إليه، ومعناها: أنَّه لا حيلةَ للعَبدِ ولا تَحوُّلَ له عن معصيةِ اللهِ إلَّا بإذنِه، وقيل: مَعْناها: لا حوْلَ في دَفْعِ الشَّرِّ، ولا طاقةَ بجَلْبِ خَيرٍ إلَّا بإذنِ اللهِ، "فإنَّها كَنزٌ مِن كنوزِ الجنَّةِ"، والكَنزُ: هو المالُ النَّفيسُ والغالي، وهذا بيانٌ لعظيمِ وفضلِ تلك الكلمةِ