حديث أوس بن أبي أوس الثقفي وهو أوس بن حذيفة 4
مستند احمد
حدثنا عبد الله بن بكر السهمي، قال: حدثنا حاتم بن أبي صغيرة، عن النعمان بن سالم، أن عمرو بن أوس، أخبره أن أباه أوسا أخبره، قال: إنا لقعود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصفة، وهو يقص علينا ويذكرنا إذ جاءه رجل فساره، فقال [ص:87]: «اذهبوا فاقتلوه» قال: فلما ولى الرجل، دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيشهد أن لا إله إلا الله» قال الرجل: نعم، نعم يا رسول الله، فقال: «اذهبوا فخلوا سبيله، فإنما أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، فإذا فعلوا ذلك حرمت علي دماؤهم، وأموالهم، إلا بحقها»
بُعِثَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم برِسالةِ التَّوحيدِ والدَّعوةِ إلى عِبادةِ اللهِ وحدَه
فمَن قال لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ فقد دَخَلَ في الإسلامِ وعَصَمَ بذلك دَمَه ومالَه، وحَرُمَ قَتلُه، فكَلمةُ التَّوحيدِ تُنجي الإنسانَ في الدُّنيا والآخِرةِ، وقد أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه أُمِرَ بقِتالِ النَّاسِ حَتَّى يَقولوا لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ، وأوكَلَ أمرَ القُلوبِ إلى اللهِ تَعالى؛ فهو المُطَّلعُ عليها، يَقولُ أوسُ بنُ أبي أوسٍ الثَّقَفيُّ رَضيَ اللهُ عنه: أتَيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في وَفدِ ثَقيفٍ، أي: مَعَ وفدِ قَبيلةِ ثَقيفٍ، وهيَ قَبيلةٌ مِن قَبائِلِ العَرَبِ كانت تَسكُنُ الطَّائِفَ، فكُنتُ في أسفَلِ القُبَّةِ. والقُبَّةُ مِنَ الخيامِ: بَيتٌ صَغيرٌ مُستَديرٌ، وهو مِن بُيوتِ العَرَبِ، والمَعنى: أنَّه كان في نِهايةِ الخَيمةِ، ليس فيها أحَدٌ إلَّا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نائِمٌ. وجاءَ في رِوايةٍ: أنَّ جَميعَ مَن كانوا في الخَيمةِ همُ النَّائِمونَ ما عَدا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأوسًا. فأتى رَجُلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فسارَّه، أي: كَلَّمَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سِرًّا دونَ أن يَسمَعَ أحَدٌ مِمَّن حَولَه، وكَأنَّه تَكَلَّمَ بكَلامٍ عَلِم مِنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه ما دَخَلَ الإيمانُ في قَلبِه، فأرادَ قَتلَه، فقال لأوسٍ: اذهَبْ فاقتُلْه، أي: اقتُلْ هذا الرَّجُلَ الذي كَلَّمَني. فأذِنَ أوَّلًا بالقَتلِ عَمَلًا بباطِنِ الأُمورِ، ثُمَّ ترَجَّح عِندَه العَمَلُ بالظَّاهرِ لكَونِه أعَمَّ وأشمَلَ له ولأُمَّتِه، فمالَ إليه وتَرَكَ العَمَلَ بالباطِنِ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُستَدرِكًا لكَلامِه: ألَيسَ يَشهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ -قال شُعبةُ: أو شَكَّ أنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ؟ أي: أنَّ شُعبةَ، وهو أحَدُ الرُّواة شَكَّ هَل قال رَسولُ اللهِ: أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فقَط، أو قال: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ. فقال أوسٌ: بَلى، أي: هو يَشهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنِّي أُمِرتُ أن أُقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقولوا: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أي: حَتَّى يَشهَدوا للَّهِ بالتَّوحيدِ ولنَبيِّه بالرِّسالةِ. فإذا قالوها، أي: آمَنوا بها وعَمِلوا بحَقِّها، حَرُمَت عليَّ دِماؤُهم وأموالُهم، أي: أصبَحَت نُفوسُهم وأموالُهم مصونةً عنِ القَتلِ مَحفوظةً. إلَّا بحَقِّها، أي: إلَّا أن يَأتيَ أحَدُهم بما يوجِبُ عليهمُ العُقوبةَ في النَّفسِ أوِ المال، كَأن يَقتُلَ مُتَعَمِّدًا أو يَمنَعَ الزَّكاةَ ويُنكِرَها. وحِسابُهم على اللهِ، أي: وما بَقيَ مِن أعمالٍ وخَفيَ علينا فمَرجِعُه إلى اللهِ تَعالى هو الذي يُحاسِبُهم ويُجازيهم عليه؛ فمَدارُ العِصمةِ على الإيمانِ الظَّاهريِّ لا على الإيمانِ الباطِنيِّ. قال: وهو الذي قَتَلَ أبا مَسعودٍ، وما ماتَ حَتَّى قَتل خَيرَ إنسانٍ بالطَّائِفِ، أي: أنَّ أوسَ بنَ أبي أوسٍ هو الذي قَتَلَ أبا مَسعودٍ، واسمُه عُروةُ بنُ مَسعودٍ الثَّقَفيُّ؛ وذلك أنَّ عُروةَ بنَ مَسعودٍ أسلَم، فلَمَّا رَجَعَ إلى قَومِه وعَلموا بإسلامِه أنكَروا ذلك عليه وتَآمَروا على قَتلِه، فرَماه أوسٌ فقَتَلَه. وذلك قَبلَ أن يُسلِمَ أوسٌ، ثُمَّ قدِمَ بَعدَ ذلك في وفدِ ثَقيفٍ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأسلَمَ
وفي الحَديثِ أنَّ شَهادةَ التَّوحيدِ تَعصِمُ الدَّمَ والمالَ
وفيه أنَّ أُمورَ النَّاسِ مَحمولةٌ على الظَّاهرِ، واللهُ يَتَولَّى السَّرائِرَ