حديث الأسود بن سريع 2
مسند احمد
حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا معاذ بن هشام، قال: حدثني أبي، عن قتادة، عن الأحنف بن قيس، عن الأسود بن سريع، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: " أربعة يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئا، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة، فأما الأصم فيقول: رب، لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئا، وأما الأحمق فيقول: رب، لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفوني بالبعر، وأما الهرم فيقول: رب، لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئا، وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب، ما أتاني لك رسول، فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار، قال: فوالذي نفس محمد بيده، لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما "،
في هذا الحَديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن أحوالِ أربَعةِ أصنافٍ مِنَ الناسِ يَومَ القِيامةِ، فيَقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "أربَعةٌ يَحتَجُّونَ يَومَ القِيامةِ"، أي: يَذكرونَ حُجَّةً لهم في دفْعِ العذابِ عنهم حينما يُوفَدونَ على اللهِ تعالَى للحِسابِ
الأوَّلُ: "رَجُلٌ أصَمُّ لا يَسمَعُ شَيئًا" مِنَ الأصواتِ التي كانَتْ في الدُّنيا، ولا يَسمَعُ ما يَدورُ حَولَه
والثاني: "ورَجُلٌ أحمَقُ" لا عَقلَ له ولا يَستَطيعُ الفَهمَ
والثالِثُ: "ورَجُلٌ هَرِمٌ"، أي: كَبيرٌ في السِّنِّ، وليس به قُوَّةٌ
والرَّابِعُ: "ورَجُلٌ ماتَ في فَترةٍ" والفَترةُ هي الحِقبةُ التي لم يَبعَثِ اللهُ فيها عَزَّ وجَلَّ نَبيًّا أو رَسولًا، "فأمَّا الأصَمُّ" فيُدلي بحُجَّتِه على اللهِ مُعتَرِضًا على الحِسابِ أو العذابِ، "فيَقولُ: رَبِّ لقد جاءَ الإسلامُ وما أسمَعُ شَيئًا" مِن أوامِرِه وأحكامِه، فَضلًا عن سَماعِ ضَرورةِ الدُّخولِ فيه "وأمَّا الأحمَقُ فيَقولُ: رَبِّ جاءَ الإسلامُ وما أعقِلُ شَيئًا"، أيْ: لا أفهَمُ شَيئًا مِمَّا يَدورُ في الدُّنيا، بل كانَ الأمْرُ أنَّ "الصِّبيانَ يَحذِفونَني بالبَعْرِ" فيَقذِفونَني برَوْثِ الحَيَواناتِ؛ استِهزاءً به، "وأمَّا الهَرِمُ فيَقولُ: رَبِّ لقد جاءَ الإسلامُ وما أعقِلُ شَيئًا"؛ لأنَّ كِبَرَ السِّنِّ كانَ عائِقًا عن فَهمِ ما يَدورُ مِنَ الأحداثِ، وفَهمِ ما كانَ يَطلُبُه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وما يدْعو إليه، "وأمَّا الذي ماتَ في الفَترةِ" قَبلَ إرسالِ رَسولٍ مِنَ اللهِ "فيَقولُ: رَبِّ ما أتاني لكَ رَسولٌ"؛ فلم يُخبِرْني بحَقيقةِ تَوحيدِ اللهِ وعِبادَتِه والدُّخولِ في دِينِه أحَدٌ، كما في قَولِه تَعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]، "فيأخُذُ" اللهُ سُبحانَه "مَواثيقَهم" وعُهودَهم "لَيُطيعُنَّه" في الحالِ فيما يأمُرُهم به، فيَقبَلونَ، "فيُرسِلُ" اللهُ "إليهم" مَن يأمُرُهمُ؛ اختِبارًا لهم ولِحَقيقةِ طاعَتِهم للهِ، كما طَلَبَ منهم؛ فيَقولُ لهم: "أنِ ادخُلوا النارَ، فمَن دَخَلَها"؛ طاعةً وامتِثالًا لِأمْرِ اللهِ، "كانَتْ عليه بَردًا وسَلامًا" لم تَضُرَّه "ومَن لم يَدخُلْها"؛ عِصيانًا لِأمْرِ اللهِ "سُحِبَ إليها"، فتَجُرُّه المَلائِكةُ إلى النارِ. ولا يَرِدُ على الامتِحانِ والاختِبارِ المَذكورِ في هذا الحَديثِ بأنَّ الآخِرةَ ليستْ دارَ تَكليفٍ؛ فلا عَمَلَ فيها، ولا ابتِلاءَ؛ لأنَّ عدَمَ التكليفِ يكونُ بَعدَ أنْ يَقَعَ الاستِقرارُ في الجَنَّةِ، أوِ النارِ، وأمَّا في عَرَصاتِ القِيامةِ فلا مانِعَ مِنَ الاختِبارِ، وقد قالَ تَعالَى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ} [القلم: 42]، وفي الصَّحيحَيْنِ: "إنَّ الناسَ يُؤمَرونَ بالسُّجودِ، فيَصيرُ ظَهرُ المُنافِقِ طَبَقًا، فلا يَستَطيعُ أنْ يَسجُدَ"
وفي الحديثِ: بيانُ عدْلِ اللهِ تعالَى وأنَّه لا يَظلِمُ أحدًا، ولا يُعذِّبُ أحدًا إلَّا بعد بُلوغِ الحُجَّةِ