حديث البراء بن عازب 125
مستند احمد
حدثنا عبد الرحمن، وابن جعفر، قالا: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت البراء بن عازب يقول: أوصى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا إذا أخذ مضجعه أن يقول: «اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت [ص:605] وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإن مات مات على الفطرة»
في هذا الحَديثِ بيانٌ لآدابِ النومِ وما يُقالُ عِندَ الاضطجاعِ، حيثُ يُخبِرُ البَرَاءُ بنُ عازِبٍ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال له: إذا أتَيتَ مَضجعَك، أي: أردْتَ أنْ تَذهَبَ إلى فِراشِ نَومِك، فتَوضَّأْ قبْلَ أنْ تَذهَبَ إلى الفِراشِ وُضوءًا كاملًا، كما لو كُنتَ تَتوضَّأُ للصَّلاةِ، ثمَّ اضطجِعْ على جانبِك الأيمنِ؛ لأنَّه أدْعى إلى النَّشاطِ والاكتِفاءِ بالقَليلِ مِن النَّومِ، وأعْونُ على الاستيقاظِ في آخِرِ اللَّيل، وأنفَعُ للقلْبِ، ثمَّ قُلِ: «اللَّهمَّ أسلَمتُ وَجْهي إليك» فأسْلَمْتُ رُوحي عندَ نَومي، وأَودَعتُها أمانةً لَدَيك، «وفَوَّضتُ أمْري إليك» فتَوكَّلتُ في جَميعِ أُموري عليك، راجيًا أنْ تَكفِيَني كلَّ شَيءٍ، وتَحمِيَني مِن كلِّ سُوءٍ، «وألْجَأتُ ظَهري إليك»، فتَحصَّنتُ بجِوارِكَ، ولَجَأتُ إلى حِفظِك، فاحرُسْني بعَينِك التي لا تَنامُ، وقولُه: «ألْجَأْتُ ظَهري إليك» بعْدَ قولِه: «وفوَّضْتُ أمْري» إشارةٌ إلى أنَّه بعْدَ تَفويضِ أُمورِه التي يَفتقِرُ إليها، وبها مَعاشُه، وعليها مَدارُ أمْرِه؛ يَلتجِئُ إليه ممَّا يَضُرُّه ويُؤذِيه مِن الأسبابِ الداخلةِ والخارجةِ، وإنَّما فَعَلتُ ذلك كلَّه رَغبةً، أي: طَمَعًا في رَحمتِك، وخَوفًا منك ومِن عِقابِك؛ فإنَّه لا مَفرَّ منك إلَّا إليك، ولا مَلاذَ مِن عُقوبتِك إلَّا بالالتِجاءِ إلى عَفْوِك ومَغفرتِك يا أرحمَ الرَّاحِمينَ، «آمنتُ بكِتابِك الذي أنْزَلتَ» وهو القرآنُ الكريمُ، وآمنْتُ بنَبيِّك الذي أرسَلتَ، وهو مُحمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثمَّ أخبَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن جَزاءِ مَن فَعَلَ ذلك؛ فإنْ مَن مات في تلك اللَّيلةِ على تلك الحالِ، فإنَّه يَموتُ على دِينِ الإسلامِ، وسُنَّةِ خَيرِ الأنامِ.ولحِرْصِ البَراءِ رَضيَ اللهُ عنه على حِفظِ هذا الدُّعاءِ النافِعِ، ردَّدَه على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال كَلمةَ: «رَسولِكَ» مكانَ كَلمةِ «نَبيِّكَ»، فصحَّحَ له رسولُ اللهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ وسَبَبُ الرَّدِّ إرادةُ الجَمعِ بيْن المَنصِبَينِ «النُّبوةِ والرِّسالةِ»، وتَعدادِ النِّعمَتَينِ، وقيلَ: هو تَخلِيصُ الكَلامِ منَ اللَّبْسِ؛ إذ الرَّسُولُ يَدخُلُ فيه جِبريلُ عليه السَّلامُ ونَحوُه. وقيل: هذا ذِكرٌ ودُعاءٌ، فيُقتَصَرُ فيه على اللَّفْظِ الواردِ بحُروفِه؛ لاحْتِمالِ أنَّ لها خاصيَّةً ليستْ لغَيْرِها
وفي الحديثِ: بيانُ حِرصِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على أُمَّتِه في الدُّنيا والآخِرةِ، وأنْ يكونَ موتُهم على حالٍ فيها مِن الطاعةِ والقُربِ مِن اللهِ عزَّ وجلَّ
وفيه: الترغيبُ في الوُضوءِ قبْلَ النَّومِ والدُّعاءِ، بحيثُ يكونُ آخِرُ شَيءٍ يَفعلُه المسلِمُ هو ذِكرَ اللهِ تعالَى