حديث البراء بن عازب 137
مستند احمد
حدثنا عثمان بن عمر، قال: حدثنا مالك يعني ابن أبي أنس، عن عمرو بن الحارث، عن عبيد بن فيروز، عن البراء بن عازب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: ماذا يتقى من الضحايا؟ فقال: «أربع» ، وقال البراء ويدي أقصر من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم،: «العرجاء البين ظلعها، والعوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقي»
الذَّبحُ للهِ مِن شَعائِرِ الإسلامِ، وما يُقدِّمُه العبدُ لرَبِّه يَنبَغي أن يَكونَ قيِّمًا وجيِّدًا وخاليًا مِن العيوبِ الَّتي لا يَرْضاها البشَرُ لأنفُسِهم فيما يُقدَّمُ إليهِم؛ فكيفَ بما يُقدَّمُ لوجهِ اللهِ تعالى؟
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ عُبيدُ بنُ فَيروزَ: "سأَلتُ البَراءَ بنَ عازبٍ: ما لا يَجوزُ في الأضاحيِّ؟ "، أي: ما العيوبُ الَّتي يَجِبُ ألَّا تكونَ في الأُضحِيَّةِ؟ فقال البَرَاءُ رَضِي اللهُ عَنْه: "قام فينا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم وأصابِعي أقصَرُ مِن أصابِعِه وأنامِلي أقصَرُ مِن أنامِلِه، فقال: أربَعٌ لا تَجوزُ في الأضاحيِّ"، أي: إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم قام وأشارَ بيَدِه وأصابِعِه إلى أنَّها أَربعةُ عيوبٍ، وقولُ البَراءِ: "وأصابِعي أقصَرُ مِن أصابعِه وأناملي أقصَرُ مِن أنامِلِه" هذا مِن حُسنِ تأَدُّبِه في وصفِ فِعْلِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم عِندَ تَقْليدِه فيه، ويَحتَمِلُ: أن يَكونَ معَ الأدَبِ بَيانُ الواقعِ، وأنَّه يُعرِّفُ أنَّ يدَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم وأصابِعَه أكبَرُ مِن يدِه وأصابِعِه
فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم: "العَوراءُ بيِّنٌ عوَرُها"، والعوَرُ يَكونُ في عَينٍ واحدةٍ أو في العينَين، فلا تَجوزُ الأُضحيَّةُ إذا كان العوَرُ ظاهِرًا، أمَّا العوَرُ القليلُ غيرُ الظَّاهرِ فلا حرَجَ فيه
"والمريضةُ بيِّنٌ مرَضُها"، أي: المريضةُ مرَضًا ظاهِرًا مُؤثِّرًا في جَودتِها من حيثُ تَكَنُّزُ اللَّحمِ وصحَّةُ البدَنِ، فإذا كان المرضُ أصابَها بالهُزالِ والضَّعفِ فلا تَصِحُّ في الأضحيَّةِ. "والعَرْجاءُ بيِّنٌ ظَلْعُها"، أي: الَّتي في رِجْلِها أو أرجُلِها عرَجٌ، وتَعْرَجُ عَرَجًا ظاهرًا، وذلك يُعِيقُها مِن الرَّعيِ والأكلِ، فتَكونُ هَزيلةً. "والكَسِيرُ الَّتي لا تُنْقِي"، أي: المكسورَةُ الَّتي ليس بها مخٌّ في العِظامِ، فالكَسرُ بها صَريحٌ وواضحٌ، وهو أعَمُّ مِن العرَجِ الَّذي تقدَّمَ. وفي روايةٍ: "ولا بالعَجْفاءِ الَّتي لا تُنْقِي"، أي: الهزيلةِ الَّتي لا تَكادُ تَقْدِرُ على الوقوفِ؛ لخُلوِّ عَظمِها مِن الدُّهنِ الَّذي بداخِلِه، ويُقال له: المُخُّ. ... قال عُبيدٌ: "فإنِّي أكرَهُ أن يَكونَ في السِّنِّ نَقصٌ"، أي: تَقِلَّ عن سِنِّها الَّتي تُجْزِئُ بها الأُضحيَّةُ، ويَعتبِرُه عُبيدٌ مِن عَيبِها الَّذي تُمنَع به، فقال البَراءُ: "ما كَرِهتَ فدَعْه، ولا تُحرِّمْه على أحدٍ"، والسِّنُّ المعتبَرُ في الأُضحيَّةِ يَختلِفُ مِن نوعٍ لآخَرَ، فقال: إنَّه يَخافُ أن يَكونَ في سنِّ الأضحيَّةِ نقصٌ معَ جودةِ جِسمِها وخُلوِّها مِن العيوبِ، فأمَرَه بأن يَترُكَ ما يَكرَهُه مِن حيثُ التَّخوُّفُ مِن عدَمِ اكتِمالِ السِّنِّ، ولكِنْ لا يُحرِّمْ ذلك على غيرِه
وفي الحَديثِ: بيانُ ما كان عِندَ الصَّحابةِ مِن فِقهٍ وتيسيرٍ على المُسلِمينَ، ممَّا علَّمَهم به النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم