حديث البراء بن عازب 57

مستند احمد

حديث البراء بن عازب 57

مِن أركانِ الإيمانِ الإيمانُ باليَومِ الآخِرِ، وذلك يَتَضَمَّنُ كُلَّ ما يَكونُ بَعدَ المَوتِ، ويَدخُلُ في ذلك الإيمانُ بنَعيمِ القَبرِ وعَذابِه وفِتنَتِه

أي: سُؤالِ المَلكَينِ؛ فقد جاءَتِ النُّصوصُ مِنَ القُرآنِ والسُّنَّةِ أنَّ الشَّخصَ إذا ماتَ فإنَّه إمَّا أن يُنعَّمَ في قَبرِه أو يُعَذَّبَ حتَّى تَقومَ السَّاعةُ، والإيمانُ بنَعيمِ القَبرِ وعَذابِه هو مِنَ الإيمانِ بالغَيبِ الذي لا نَعلَمُ كَيفيَّتَه إلَّا عن طَريقِ الوَحيِ، وقد جاءَ بَعضُ تَفاصيلِ نَعيمِ القَبرِ وعَذابِه في السُّنَّةِ في حَديثِ البَراءِ بنِ عازِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وهو حَديثٌ طَويلٌ مَشهورٌ جاءَ فيه أنَّ الصَّحابةَ رَضِيَ اللهُ عنهم خَرَجوا مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في جِنازةِ رَجُلٍ مِنَ الأنصارِ، حتَّى انتَهَوا، أي: وصَلوا إلى القَبرِ ولمَّا يُلحَدْ، أي: قَبلَ إدخالِ المَيِّتِ في اللَّحدِ، وهو الشِّقُّ الذي يُعمَلُ في جانِبِ القَبرِ لمَوضِعِ المَيِّتِ، وأصلُ الإلحادِ: المَيلُ والعُدولُ عنِ الشَّيءِ. وسُمِّي اللَّحدُ بذلك؛ لأنَّه قد أُميلَ عن وسَطِ القَبرِ، فعِندَ ذلك جَلَسَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وجَلَسَ الصَّحابةُ حَولَه يَنتَظِرونَ أن يَتِمَّ عَمَلُ اللَّحدِ والدَّفنُ، وكانوا كَأنَّما على رُؤوسِهم الطَّيرُ، أي: جالِسينَ بسُكونٍ ووقارٍ كَأنَّما على رؤوسِهم الطَّيرُ؛ لأنَّ الطَّيرَ لا يكادُ يقَعُ إلَّا على شَيءٍ ساكِنٍ. وهذا كِنايةٌ عن غايةِ السُّكونِ، أي: لا يَتَحَرَّكُ مِنَّا أحَدٌ تَوقيرًا لمَجلسِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وفي يَدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عودٌ يَنكُتُ به، أي: يَضرِبُ الأرضَ بطَرَفِه ليُؤَثِّرَ فيه، وهو فِعلُ المُفكِّرِ في أمرٍ عَظيمٍ يُحَدِّثُ نَفسَه به، وناهيك بذِكرِ المَوتِ وعِظَمِ خَطَرِه والتَّفكُّرِ فيه! فرَفعَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَأسَه فقال: استَعيذوا باللهِ مِن عَذابِ القَبرِ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ أو مَرَّتَينِ، أي: اعتَصِموا باللهِ واطلُبوا مِنه أن يُجيرَكُم مِن عَذابِ القَبرِ. ثُمَّ شَرَعَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُحَدِّثُهم عن حالِ المُؤمِنِ وحالِ الكافِرِ إذا ماتَ وأُدخِلَ القَبرَ، فقال: إنَّ العَبدَ المُؤمِنَ إذا كان في انقِطاعٍ مِنَ الدُّنيا وإقبالٍ مِنَ الآخِرةِ، أي: إذا دَنا أجَلُه وصارَ في حالةِ الاحتِضارِ، نَزَلَ إليه مِنَ السَّماءِ مَلائِكةٌ بِيضُ الوُجوهِ، كَأنَّ وُجوهَهمُ الشَّمسُ، حتَّى يَجلِسوا مِنه، أي: مِنَ العَبدِ المُؤمِنِ، مَدَّ البَصَرِ، أي: مُنتَهى بَصَرِه، مَعَهم كَفَنٌ مِن أكفانِ الجَنَّةِ، وحَنوطٌ مِن حَنوطِ الجَنَّةِ. وهو ما يُخلَطُ مِنَ الطِّيبِ لأكفانِ المَوتى وأجسامِهم خاصَّةً، ثُمَّ يَجيءُ مَلَكُ المَوتِ، فيَقعُدُ عِندَ رَأسِه، أي: عِندَ رَأسِ المُحتَضَرِ، فيَقولُ: أيَّتُها النَّفسُ الطَّيِّبةُ، اخرُجي إلى مَغفِرةٍ مِنَ اللهِ ورِضوانٍ، فتَخرُجُ تَسيلُ كما تَسيلُ القَطرةُ مِن في السِّقاءِ. وهو ظَرفُ الماءِ يَكونُ مِنَ الجِلدِ. والمَعنى: أنَّ رُوحَه تَخرُجُ بكُلِّ يُسرٍ وسُهولةٍ كسُهولةِ تَقطيرِ الماءِ مِن فَمِ القِربةِ، فإذا أخَذوها، أي: أخَذَ المَلائِكةُ الرُّوحَ لَم يَدَعوها في يَدِه، أي: يَدِ مَلَكِ المَوتِ، طَرْفةَ عَينٍ، أي: لَحظةً ولَمحةً، حتَّى يَأخُذوا هذه الرُّوحَ فيَجعَلوها في ذلك الكَفَنِ الذي هو مِنَ الجَنَّةِ وذلك الحَنوطِ أيضًا، فيَخرُجُ مِن هذه الرُّوحِ كَأطيَبِ نَفحةِ مِسكٍ وُجِدَت على وَجهِ الأرضِ، أي: يَفوحُ مِنها كَأطيَبِ رائِحةِ مِسكٍ وُجِدَت على وَجهِ الأرضِ، فيَصعَدونَ بروحِه إلى السَّماءِ، فلا يَمُرُّونَ بها على مَلَأٍ، أي: جَماعةٍ مِنَ المَلائِكةِ، إلَّا قالوا: ما هذا الرُّوحُ الطَّيِّبُ؟ أي: سَألوا عن صاحِبِ هذه الرُّوحِ التي تَنبَعِثُ مِنها هذه الرَّائِحةُ الطَّيِّبةُ، فيَقولونَ: هذا فُلانُ بنُ فُلانٍ، بأحسَنِ أسمائِه التي يُسَمَّى بها في الدُّنيا، حتَّى يَنتَهوا بروحِه إلى السَّماءِ الدُّنيا، فيَستَفتِحونَ، أي: يَطلُبونَ ويَستَأذِنونَ أن يُفتَحَ لَهم بابُ السَّماءِ، فيُفتَحُ لَهم، فيَستَقبِلُهم مِن كُلِّ سَماءٍ مُقَرَّبوها إلى السَّماءِ التي تَليها، أي: يَتبَعُه ويَسيرُ مَعَه مِن كُلِّ سَماءٍ مُقَرَّبوها، وهم رُؤَساؤُها المُقَرَّبونَ عِندَ اللهِ مِنَ المَلائِكةِ، حتَّى يُنتَهى بروحِه إلى السَّماءِ السَّابعةِ؛ لتُعرَضَ على اللهِ رَبِّ العالَمينَ، وعِندَ ذلك يَقولُ اللهُ تعالى للمَلائِكةِ: اكتُبوا كِتابَ عَبدي في عِلِّيِّينَ في السَّماءِ الرَّابعةِ -أي: اكتُبوا كِتابَه في مَكانٍ عالٍ، وعِلِّيُّونَ: هو عُلوٌّ بَعدَ عُلوٍّ، وشَرَفٌ بَعدَ شَرَفٍ، وكُلَّما عَلا الشَّيءُ وارتَفعَ عَظُم واتَّسَعَ- وأعيدوه إلى الأرضِ؛ فإنِّي مِنها خَلَقتُهم وفيها أُعيدُهم ومِنها أخرِجُهم تارةً، أي: مَرَّةً أُخرى، كما قال تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 55]. فعِندَ ذلك تُعادُ روحُ المُؤمِنِ في جَسَدِه في القَبرِ، ويَأتيه مَلَكانِ فيُجلِسانِه فيَقولانِ له: مَن رَبُّك؟ فيَقولُ: رَبِّيَ اللَّهُ، فيَقولانِ له: ما دينُك؟ فيَقولُ: ديني الإسلامُ، فيَقولانِ له: ما هذا الرَّجُلُ الذي بُعِثَ فيكُم؟ أي: أُرسِلَ إليكم، فيَقولُ: هو رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. فيَقولانِ له: ما عَمَلُك؟ فيَقولُ: قَرَأتُ كِتابَ اللهِ، أي: القُرآنَ، وآمَنتُ به، أي: بالقُرآنِ أو بالنَّبيِّ أنَّه حَقٌّ، وصَدَّقتُ به، أي وصَدَّقتُه بما قال، أو صَدَّقتُ بما في القُرآنِ. وإنَّما كان السُّؤالُ عن هذه الثَّلاثِ دونَ غَيرِها؛ لأنَّ مَن أتى بهذه الثَّلاثِ ورَضيَ بها فقد ذاقَ طَعمَ الإيمانِ، وتَحَقَّقَ كَمالُ إيمانِه؛ فعِندَ ذلك يُنادي مُنادٍ مِنَ السَّماءِ: أنْ صَدقَ عَبدي؛ فأَفرِشوه مِنَ الجَنَّةِ، أي: اجعَلوا فَرشَه في قَبرِه مِن فِراشِ الجَنَّةِ، وألبِسوه مِنَ الجَنَّةِ، أي: اجعَلوا مَلابِسَه مِن مَلابِسِ الجَنَّةِ، وافتَحوا له بابًا إلى الجَنَّةِ، أي: ليَرى مَنزِلَتَه فيها، فيَأتيه مِن طِيبِها، أي: طِيبِ رائِحَتِها العَطِرةِ ورَوحِها. والرَّوحُ: هو الرَّاحةُ والنَّسيمُ، ويُفسَحُ، أي: يُوسَّعُ له في قَبرِه مَدَّ بَصَرِه، أي: مُنتَهى بَصَرِه، ثُمَّ يَأتيه رَجُلٌ حَسَنُ الوَجهِ حَسَنُ الثِّيابِ طَيِّبُ الرِّيحِ، فيَقولُ له: أبشِرْ بالذي يَسُرُّك، أي: لَك البُشرى بما يَسُرُّك، هذا يَومُك الذي كُنتَ تُوعَدُ، أي: بما وعَدَك اللَّهُ تعالى به في القُرآنِ أنَّ المُؤمِنَ الصَّادِقَ له البُشرى والسَّعادةُ، فهو قد تحَقَّق لَك، فيَقولُ المُؤمِنُ: ومَن أنتَ؟! فوجهُك الوَجهُ الذي يَجيءُ بالخَيرِ، أي: مَن تَكونُ أنتَ؛ فوَجهُك يَدُلُّ على الخَيرِ وفيه الخَيرُ، فيَقولُ الرَّجُلُ: أنا عَمَلُك الصَّالحُ، أي: يَتَمَثَّلُ له عَمَلُه الصَّالحُ في صورةِ رَجُلٍ حَسَنِ الوَجهِ حَسَنِ الثِّيابِ، فمِن شِدَّةِ فرَحِ المُؤمِنِ بذلك يَتَمَنَّى أن تَقومَ السَّاعةُ ذلك الوقتَ! فيَقولُ: رَبِّ أقِمِ السَّاعةَ، رَبِّ أقِمِ السَّاعةَ؛ حتَّى أرجِعَ إلى أهلي ومالي! وذلك لأنَّ النَّعيمَ بَعدَ قيامِ السَّاعةِ أعظَمُ وأعظَمُ
ثُمَّ ذَكَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حالَ العَبدِ الكافِرِ، فقال: وإنَّ العَبدَ الكافِرَ إذا كان في انقِطاعٍ مِنَ الدُّنيا وإقبالٍ مِنَ الآخِرةِ، أي: وذلك عِند حُضورِ أجَلِه، فيَكونُ قدِ انتَهى أجَلُه ويَنتَظِرُ خُروجَ روحِه، نَزَلَ إليه مِنَ السَّماءِ مَلائِكةٌ سودُ الوُجوهِ، مَعَهمُ المُسوحُ، جَمعُ المِسْحِ، وهو اللِّباسُ الخَشِنُ المَمقوتُ، حتَّى يَجلِسوا مِنَ الكافِرِ مَدَّ البَصَرِ، ثُمَّ يَجيءُ مَلَكُ المَوتِ حتَّى يَجلِسَ عِندَ رَأسِه، فيَقولُ لَها: يا أيَّتُها النَّفسُ الخَبيثةُ، اخرُجي إلى سَخَطِ اللَّهِ وغَضَبِه، فتَفرَّقُ في جَسَدِه، أي: تَتَوزَّعُ روحُه في جَسَدِه، وهو كِنايةٌ عن شِدَّةِ الرُّعبِ والفزَعِ، وكَأنَّها تُريدُ الهَرَبَ عِندَ سَماعِ هذه الجُملةِ، ولَكِن لا مَناصَ، قال: فتَخرُجُ، فيَنقَطِعُ مَعَها العُروقُ والعَصَبُ، كما يُنزَعُ السَّفُّودُ مِنَ الصُّوفِ المَبلولِ بالماءِ. والسَّفُّودُ: حَديدةٌ ذاتُ شُعَبٍ يُشوى بها اللَّحمُ، فكَما يَبقى مَعَها بَقيَّةٌ مِنَ المَحروقِ كذلك يَصحَبُها عِندَ الجَذبِ شَيءٌ مِنَ الصُّوفِ المَبلولِ، وهو كِنايةٌ عن تَمزيقِ جِسمِه وصُعوبةِ خُروجِ روحِه. فيَأخُذُها مَلَكُ المَوتِ، فإذا أخَذَها لَم يَدَعوها -أي المَلائِكةُ الذينَ مَعَ مَلَكِ المَوتِ- في يَدِ مَلَكِ المَوتِ طَرْفةَ عَينٍ، أي: لَحظةً ولَمحةً، حتَّى يَأخُذوها ويَجعَلوها في تلك المُسوحِ التي مِنَ النَّارِ، فيَخرُجُ مِن رُوحِه كَأنتَنِ ريحِ جيفةٍ وُجِدَت على ظَهرِ الأرضِ، أي: تَكونُ رائِحةُ رُوحِه مُنتِنةً كرائِحةِ جيفةٍ قَذِرةٍ، فيَصعَدونَ برُوحِه إلى السَّماءِ، فلا يَمُرُّونَ بها على مَلَأٍ، أي: جَماعةٍ مِنَ المَلائِكةِ، إلَّا قالوا: ما هذا الرُّوحُ الخَبيثُ؟! أي: لمَن هذه الرُّوحُ الخَبيثةُ التي تنبَعِثُ مِنها هذه الرَّائِحةُ النَّتِنةُ، فيَقولونَ: فلانُ بنُ فُلانٍ، بأقبَحِ أسمائِه التي كان يُسَمَّى بها في الدُّنيا، حتَّى يُنتَهى برُوحِه إلى السَّماءِ الدُّنيا، فيَستَفتِحونَ، أي: يَطلُبونَ ويَستَأذِنونَ أن يُفتَحَ لَهم بابُ السَّماءِ، فلا يُفتَحُ له، ثُمَّ قَرَأ رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم مِصداقًا لذلك قَولَه تعالى: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: 40]، أي: حتَّى يَدخُلَ البَعيرُ في خَرقِ الإبرةِ، ويَقولُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: اكتُبوا كِتابَ عَبدي في سِجِّينٍ في الأرضِ السُّفلى. وسِجِّينٌ: هو الحَبسُ والضِّيقُ؛ فإنَّ المَخلوقاتِ كُلُّ ما تسافَل مِنها ضاقَ، وكُلُّ ما تعالى مِنها اتَّسَعَ، وأعيدوه إلى الأرضِ؛ فإنِّي مِنها خَلَقتُهم وفيها أُعيدُهم، ومِنها أُخرِجُهم تارةً، أي: مَرَّةً أُخرى، فتُطرَحُ رُوحُه طَرحًا، أي: تُلقى وتُرمى رَميًا، ثُمَّ قَرَأ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِصداقَ ذلك في كِتابِ اللهِ تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ} أي: سقَط من السَّماءِ، {فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ} أي: تُقَطِّعُه الطُّيورُ في الهَواءِ {أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج: 31]، أي: بَعيدٍ مُهلِكٍ، وهو يَنطَبقُ على ما يُفعَلُ بروحِ الكافِرِ؛ لأنَّها تُرمى مِنَ السَّماءِ إلى ما أعَدَّه اللهُ لَها مِنَ العَذابِ والشَّقاءِ؛ ولذلك استَشهَدَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالآيةِ، ثُمَّ تُعادُ روحُه في جَسَدِه، أي: في القَبرِ، ثُمَّ يَأتيه المَلكانِ فيُجلسانِه فيَقولانِ له: مَن رَبُّك؟ فيَقولُ: ها ها! وهيَ كَلِمةٌ يَقولُها المُتَحَيِّرُ الذي لا يَقدِرُ مِن حَيرَتِه للخَوفِ أو لعَدَمِ الفصاحةِ أن يَستَعمِلَ لسانَه في فيه، أو يَقولُها المُتَوجِّعُ الذي يَتَوجَّعُ لعَدَمِ مَعرِفةِ الجَوابِ ولِما حَصَلَ له مِنَ الارتِباكِ والخَوفِ وسوءِ العاقِبةِ، لا أدري، أي: شَيئًا ما أو ما أُجيبُ به، وهذا كَأنَّه بَيانٌ لقَولِه: ها ها، فيَقولانِ له: وما دينُك؟ فيَقولُ: ها ها! لا أدري، فعِندَ ذلك يُنادي مُنادٍ مِنَ السَّماءِ: أَفرِشوا له مِنَ النَّارِ، أي: اجعَلوا فَرْشَ قَبرِه مِنَ النَّارِ، وألبِسوه مِنَ النَّارِ، أي: اجعَلوا مَلابِسَه مِنَ النَّارِ، وافتَحوا له، أي: في قَبرِه بابًا إلى النَّارِ حتَّى يَرى مَقعَدَه فيها، فيَأتيه مِن حَرِّها، أي: لَهَبِ النَّارِ، وسَمومِها. وهيَ الرِّيحُ الحارَّةُ، ويُضَيَّقُ -مِنَ التَّضييقِ- عليه قَبرُه حتَّى تَختَلِفَ أضلاعُه. جَمعُ ضِلعٍ، وهو عَظمُ الجَنبِ، أي: حتَّى يَدخُلَ بَعضُها في بَعضٍ مِن شِدَّةِ التَّضييقِ والضَّغطةِ، ثُمَّ يَأتيه رَجُلٌ قَبيحُ الوجهِ وقَبيحُ الثِّيابِ، فيَقولُ له: أبشِرْ بالذي يَسوؤك، أي: لَك البُشرى بما يَسوؤك، فهذا يَومُك الذي كُنتَ توعَدُ، أي: الذي وعَدَك اللهُ به وذَكَرَه في القُرآنِ لمَن كَذَّبَ وعَصى، فيَقولُ: مَن أنتَ؟ فوَجهُك الوَجهُ الذي يَجيءُ بالشَّرِّ، فيَقولُ: أنا عَمَلُك الخَبيثُ، أي: تُمَثَّلُ له أعمالُه الخَبيثةُ بصورةِ رَجُلٍ خَبيثِ الوَجهِ خَبيثِ الرِّيحِ، فمِن شِدَّةِ خَوفِه يَتَمَنَّى ألَّا تَقومَ السَّاعةُ؛ لأنَّه يَعلَمُ أنَّ مَصيرَه إلى النَّارِ وبئسَ القَرارُ، فيَقولُ: رَبِّ لا تُقِمِ السَّاعةَ، رَبِّ لا تُقِمِ السَّاعةَ؛ وذلك لأنَّ العَذابَ فيها أشَدُّ وأشَدُّ
وفي الحَديثِ مَشروعيَّةُ تَشييعِ الجِنازةِ
وفيه خُروجُ كَبيرِ القَومِ مَعَ أصحابِه لتَشييعِ الجِنازةِ
وفيه مَشروعيَّةُ المَوعِظةِ عِندَ القَبرِ
وفيه شِدَّةُ تَوقيرِ الصَّحابةِ لمَجلِسِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
وفيه مَشروعيَّةُ الضَّربِ بالعودِ في الأرضِ إذا كان الإنسانُ مُتَفكِّرًا بشَيءٍ أو مَهمومًا
وفيه الإيمانُ بفِتنةِ القَبرِ
وفيه الأمرُ بالاستِعاذةِ مِن عَذابِ القَبرِ
وفيه تَكريرُ الاستِعاذةِ والدُّعاءِ مِمَّا يُخافُ منه
وفيه إثباتُ نَعيمِ القَبرِ
وفيه إثباتُ عَذابِ القَبرِ
وفيه أنَّ مَلَكَ المَوتِ له أعوانٌ ومُساعِدونَ
وفيه صِفةُ المَلائِكةِ الذينَ يَنزِلونَ لقَبضِ الرُّوحِ
وفيه أنَّ الرُّوحَ لَها صِفاتٌ فتَخرُجُ وتَصعَدُ وتَذهَبُ وتَجيءُ
وفيه سُهولةُ خُروجِ روحِ المُؤمِنِ
وفيه أنَّ الرُّوحَ تُكَفَّنُ وتُحَنَّطُ مِثلَ الجَسَدِ
وفيه مَحَبَّةُ المَلائِكةِ لرُوحِ المُؤمِنِ
وفيه اهتِمامُ مَلائِكةِ السَّماءِ بروحِ المُؤمِنِ
وفيه إثباتُ صِفةِ العُلوِّ للهِ تعالى
وفيه إثباتُ صِفةِ الكَلامِ للهِ تعالى
وفيه إثباتُ السُّؤالِ في القَبرِ
وفيه أنَّ أحوالَ البَرزَخِ في القَبرِ تَختَلفُ عَمَّا نُشاهِدُه
وفيه تَمَثُّلُ الأعمالِ وهيَ مَعنَويَّةٌ بأُمورٍ حِسِّيَّةٍ مُشاهَدةٍ
وفيه فرَحُ المُؤمِنِ بما يُلاقيه في قَبرِه حتَّى يَتَمَنَّى قيامَ السَّاعةِ
وفيه شِدَّةُ خُروجِ روحِ الكافِرِ
وفيه بُغضُ المَلائِكةِ لروحِ الكافِرِ
وفيه الدُّعاءُ على روحِ الكافِرِ بالسَّخَطِ والغَضَبِ
وفيه خُبثُ ريحِ الكافِرِ
وفيه مَشروعيَّةُ تَأييدِ الأحاديثِ والاستِشهادُ لَها مِنَ القُرآنِ
وفيه شِدَّةُ عَذابِ الكافِرِ في قَبرِه حتَّى يَتَمَنَّى عَدَمَ قيامِ السَّاعةِ