حديث العباس بن عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم 1
حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الله بن الحارث، عن العباس بن عبد المطلب، أنه قال: يا رسول الله، عمك أبو طالب كان يحوطك وينفعك، قال: " إنه في ضحضاح من النار، ولولا أنا كان في الدرك الأسفل "
قَوْلُهُ كَانَ يَحُوطُكَ : مِنْ حَاطَهُ : إِذَا صَانَهُ وَذَبَّ عَنْهُ .
وَيَفْعَلُ: أَيْ : فِيكَ مَا يَفْعَلُ .
إِنَّهُ فِي ضَحْضَاحٍ : - بِضَادَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ - : هُوَ مَا رَقَّ مِنَ الْمَاءِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ إِلَى نَحْوِ الْكَعْبَيْنِ ، وَاسْتُعِيرَ فِي النَّارِ .
فِي الدَّرَكِ : - بِفَتْحَتَيْنِ ، أَوْ بِسُكُونِ الثَّانِي - ، وَالْمُرَادُ : قَعْرُ جَهَنَّمَ ، ثُمَّ لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلدَّرَكِ الْأَسْفَلِ لَوْلَا شَفَاعَتِي ، فَبِشَفَاعَتِي صَارَ مُسْتَحِقًّا لِلضَّحْضَاحِ ، وَإِلَّا فَالدُّخُولُ فِي النَّارِ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَقِيلَ : ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ الْعَرْضُ ، قَالَ تَعَالَى : النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا [غَافِرُ : 46] ، الْآيَةُ ، وَهُوَ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ عَذَابِ الْقَبْرِ .
بَقِيَ أَنَّ الْحَدِيثَ يَقْتَضِي أَنَّ عَمَلَ الْكَافِرِ نَافِعٌ فِي الْجُمْلَةِ ، وَهُوَ يُنَافِي قَوْلَهُ تَعَالَى : وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ [النُّورُ : 39] . الْآيَةُ .
وَكَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الشَّفَاعَةَ لِلْكَافِرِ نَاقِصَةٌ فِي الْجُمْلَةِ ، وَهُوَ يُنَافِي قَوْلَهُ تَعَالَى : فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ [الْمُدَّثِّرُ : 48] .
وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْعِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَمَلِ ، وَالشَّفَاعَةُ نَفْيُ نَفْعِ الْمَجْمُوعِ ; أَيِ : الْعَمَلُ مَعَ الشَّفَاعَةِ ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يَقْتَضِي نَفْيَ الْمَجْمُوعِ ، فَلَا إِشْكَالَ .
وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِنَفْيِ النَّفْعِ نَفْيُ النَّفْعِ بِحَيْثُ يَتَخَلَّصُ مِنَ النَّارِ ، وَالثَّابِتُ هَا هُنَا النَّفْعُ بِالتَّخْفِيفِ ، فَلَا مُنَافَاةَ ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .