حديث العرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وسلم 13
مستند احمد
حدثنا حيوة بن شريح يعني ابن يزيد الحضرمي، ويزيد بن عبد ربه، قالا: حدثنا بقية، قال: حدثني بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن ابن أبي بلال، عن عرباض بن سارية، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يختصم الشهداء والمتوفون على فرشهم إلى ربنا عز وجل في الذين يتوفون من الطاعون، فيقول الشهداء: إخواننا قتلوا كما قتلنا، ويقول المتوفون على فرشهم: إخواننا ماتوا على فرشهم كما متنا على فرشنا، فيقول ربنا عز وجل: انظروا إلى جراحهم، فإن أشبهت جراحهم جراح المقتولين، فإنهم منهم ومعهم، فإذا جراحهم قد أشبهت جراحهم "
يأتي النَّاسُ يومَ القيامةِ يَفضُلُ بعضُهم على بعضٍ في الدَّرجاتِ؛ فيَقَعُ بَينهم قبلَ دخولِ الجنَّةِ نَوعٌ مِن التَّنافُسِ؛ طمَعًا في نَيلِ دَرجاتٍ أَعلى، فإذا ما دَخلوا الجنَّةَ نزَع اللهُ عن قُلوبِهم ذلك التَّنافسَ، وذلك قولُه تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ}؛ الآيةَ [الحجر: 47]
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "يَختصِمُ"، أي: يتَنازَعُ، "الشُّهداءُ"، وهم الَّذين قُتِلوا في سَبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ، "والمتوفَّون على فُرُشِهم"، وهُم كلُّ مَن مات على فِراشِه وهم أَعَمُّ ممَّن لهم حُكمُ الشَّهادةِ كالمَبطونِ والغَريقِ وصاحبِ الهَدمِ وغيرِهم ممَّن ورَد في حقِّهم أنَّهم شُهداءُ، "إلى ربِّنا"، أي: مُتوجِّهين بخِلافِهم وخُصومَتِهم إلى اللهِ عزَّ وجلَّ؛ ليَفصِلَ فيها، "في الَّذين يُتوفَّون مِن الطَّاعونِ"، وهم الذين ماتوا بسبَبِ مرَضِ الطَّاعونِ، وهو نَوعٌ مِن الوَباءِ؛ ولعلَّ الَّذين ماتوا على فُرُشِهم قالوا ذلك مِن بابِ التنافُسِ في الخيرِ والطَّمعِ في رَحمةِ اللهِ؛ لأنَّهم يَطمَعون في نَيلِ أجْرِ الشُّهداءِ بمِثلِ ما نال المَطعونُ أَجرَهم وهو قد مات مِثلَهم على الفِراشِ في غيرِ غَزوٍ؛ وليس مَقصودَهم أصالةً ألَّا تُرفعَ دَرجةُ المطعونِ إلى دَرجاتِ الشُّهداءِ؛ فإنَّ ذلك حَسَدٌ مذمومٌ، وهو مَنزوعٌ عن القُلوبِ في تلك الدَّارِ. "فيقولُ الشُّهداءُ: إخوانُنا قُتِلوا كما قُتِلنا"، أي: يدافِعُ الشُّهداءُ عمَّن مات بالطَّاعونِ فقَتَلَهم كان كمِثلِ قَتْلِنا فاستحَقُّوا مِثلَ درجَتِنا في الجنَّةِ، "ويقولُ المتوفَّون في فُرُشِهم: إخوانُنا ماتوا على فُرُشِهم كما مُتْنا"، أي: هم يُماثِلونَنا في أنَّهم لَم يَموتوا في غَزْوٍ فنَستحِقُّ مِثلَ درجَتِهم
وقيل: والظاهرُ أنَّ هذا الاختصامَ يكونُ قَبلَ دُخولِ الجَنَّةِ، مِن بابِ التنافُسِ؛ لئلَّا يُفضَّلوا عليهم، ولا يُستغربُ ذلك ممَّن لم يَدخُلِ الجنَّةِ؛ فإنَّ ذلك محلُّ اختصامٍ وتنازُع؛ فإنَّه: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} الآية [عبس: 34 - 36]، وأمَّا قوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} الآية [الحجر: 47]، فيُحمَلُ على ما بَعدَ دُخولِ الجَنَّة، كما ثبَت وصفُهم بذلك في الصَّحيحَينِ مِن حَديثِ أبي هُرَيرَة رضي اللَّه عنه، أنَّه: "لا اختلافَ بينهم، ولا تَباغُضَ، قلوبُهم قلبٌ واحدٌ، يُسبِّحون اللَّه بُكرةً وعَشِيًّا"
قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فيقولُ ربُّنا: انظُروا إلى جِراحِهم"، أي: قارِنوا جِراحَ المطعونين بجِراحِ مَن قُتِلوا في سَبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ، "فإنْ أشبَهَ جِراحُهم جِراحَ المقتولين"، أي: فإنْ كانت مُشابِهةً ومُماثِلةً، "فإنَّهم مِنهم ومَعهم"، أي: فإنَّ لهم درَجاتِ المجاهِدين في سَبيلِ اللهِ ويُلحَقون بهم، "فإذا جِراحُهم قد أشبَهَت جِراحَهم"، أي: إنَّهم لَمَّا نظَروا إلى جِراحِ المطعونين وجَدوها بمِثل جِراحِ المقتولين في سَبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ؛ فكان هذا فَصْلَ النِّزاعِ
وفي الحديثِ: فَضلُ مَن قُتِل في سَبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ
وفيه: فَضلُ مَن مات بالطَّاعونِ