حديث المستورد بن شداد 12
مستند احمد
حدثنا علي بن عياش، حدثنا ليث بن سعد، حدثنا موسى بن علي، عن أبيه، عن المستورد الفهري، أنه قال لعمرو بن العاص: «تقوم الساعة والروم أكثر الناس» ، فقال له عمرو بن العاص: أبصر ما تقول، قال: أقول لك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمرو بن العاص: " لئن قلت ذاك إن فيهم لخصالا أربعا: إنهم لأسرع الناس كرة بعد فرة، وإنهم لخير الناس لمسكين وفقير وضعيف، وإنهم لأحلم الناس عند فتنة، والرابعة حسنة جميلة: وإنهم لأمنع الناس من ظلم الملوك "
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَذكُرُ لأصحابِه بعضَ أحداثِ آخِرِ الزَّمانِ وقبْلَ قيامِ السَّاعةِ، ويَذكُرُ سُبلَ النَّجاةِ منها، وكيْف يَتعامَلُ معها مَن يُدرِكُها مِن المسْلِمين
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ الصَّحابيُّ الجليلُ المُسْتورِدُ بنُ شَدَّادٍ رَضيَ اللهُ عنه عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعَلامةٍ مِن عَلاماتِ اقترابِ يومِ القيامةِ، فقال: «تَقُومُ السَّاعَةُ والرُّومُ أكْثَرُ النَّاسِ» عن غيرِهم مِن باقي الأجناسِ والأدْيانِ، والمرادُ بالرُّومِ النَّصارى؛ لأنَّ أهلَ الرُّومِ حينئذٍ نَصارى، وكان عَمرُو بنُ العاصِ رَضيَ اللهُ عنه حاضرًا وقْتَ أنْ حَدَّث المُسْتورِدُ رَضيَ اللهُ عنه بهذا الحديثِ، فلمَّا سَمِعَ عمرُو بنُ العاصِ رَضيَ اللهُ عنه هذا الحديثَ منَ المُستورِدِ بنِ شَدَّادٍ رَضيَ اللهُ عنه، قالَ لَه: «أَبصرْ ما تَقولُ» يُراجِعُه في صِحَّةِ هذا القولِ ونِسبتِه إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، كما هي عادةُ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم في التَّأكُّدِ مِن صِحَّةِ المَرويَّاتِ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، حتَّى مِن بعضِهم، فلمَّا أكَّد لَه المُستورِدُ أنَّه سَمِعَه منَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، علَّل عَمرُو بنُ العاصِ رَضيَ اللهُ عنه سَببَ كَثرَتِهم آخِرَ الزَّمانِ؛ لأنَّ عندهم مِن الخصالِ والصِّفاتِ ما يَستحِقُّون به ذلك، وعدَّد رَضيَ اللهُ عنه خِصالَهم، وهذا مِن بابِ الإنصافِ وليْس مِن بابِ المدْحِ لهم وما هُم عليه مِن عَقيدةٍ، فقال رَضيَ اللهُ عنه فيهم: «أَحلمُ النَّاسِ عندَ فِتنةٍ»، يكونُ فيهم العقلُ والتَّثبيتُ عندَ وُقوعِ الفِتنِ، فيكونونُ أصبَرَ النَّاسِ عندَ حُصولِ شِدَّةٍ ومَهلكةٍ، «وأَسرعُهم إفاقةً» أي: يَعودون لِصوابِ أمرِهم بعْدَ كلِّ مُصيبةٍ في سُرعةٍ ورُشدٍ، «وأَوشكُهم كرَّةً بَعدَ فرَّةٍ»، أي: هُم أسرَعُ النَّاسِ في المُبادَرةِ إلى القِتالِ والرُّجوعِ إلى العدوِّ بعْدَ الهَزيمةِ، وهُم خيرُ النَّاسِ وأرحَمُهم وأشْفَقُهم لِمِسكينٍ ويَتيمٍ وضَعيفٍ، وفي رِوايةٍ أُخرى لمسْلمٍ: «وخَيرُ النَّاسِ لِمساكينِهم وضُعفائهِم» فيَقومونَ بالإحسانِ إليهمْ، ثمَّ ذكَرَ لهم عَمرٌو رَضيَ اللهُ عنه خَصلةً خامسةً؛ وهي أحسَنُهم وأجْمَلُهم، وهي أنَّهم: أمنَعُ النَّاسِ مِن ظُلمِ مُلوكِهم، أي: أنَّهم يَمنَعون الملوكَ مِن الظُّلمِ، أو أنَّهم يَحمُون النَّاسَ مِن ظُلمِ الملوكِ
قيل: إنَّ كلَّ تلك الأوصافِ الجميلةِ إنَّما كانت غالبةً على الرُّومِ الَّذين أدْرَكَ عَمرٌو زَمانَهم
وفي الحديثِ: أنَّه لا بأْسَ بمَدحِ الأوصافِ الحَسَنةِ وإنْ وُجِدَت في الكفَّارِ، ويَحسُنُ ذِكرُها على سَبيلِ الاعتبارِ، ولِحضِّ المسْلِمين على الأخْذِ بها؛ فإنَّهم أحَقُّ بها وأهْلُها