حديث النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم 64
مستند احمد
حدثنا وكيع، حدثنا زكريا، عن أبي القاسم الجدلي، قال أبي: وحدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا زكريا، عن حسين بن الحارث أبي القاسم، أنه سمع النعمان بن بشير، قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه على الناس، فقال: «أقيموا صفوفكم، ثلاثا، والله لتقيمن صفوفكم، أو ليخالفن الله بين قلوبكم» قال: «فرأيت الرجل يلزق كعبه بكعب صاحبه، وركبته بركبته، ومنكبه بمنكبه»
صَلاةُ الجَماعةِ شأنُها عَظيمٌ، وقد أمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهوسلَّمَ بتَسويةِ الصُّفوفِ فيها، مع وُقوفِ الناسِ مُتَراصِّينَ كالبُنيانِ، فلا يَتقدَّمُ أحَدٌ ولا يَتأخَّرُ، وهذا مِن حُسنِ الأدَبِ مع اللهِ، وفيه تَشبُّهٌ بالمَلائِكةِ الكِرامِ، الذين يَصطَفُّونَ ويَتراصُّونَ عِندَ اللهِ
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ النُّعمانُ بنُ بَشيرٍ رَضيَ اللهُ عنهما: "كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُسوِّي الصَّفَّ" بنَفْسِه بالسَّيرِ بَينَ الصُّفوفِ، "حتى يَجعَلَه مِثلَ الرُّمحِ أوِ القِدْحِ" في الاستِقامةِ والاعتِدالِ حتى يَصيرَ الصَّفُّ كأنَّه رُمحُ القِتالِ، وهو عَصًا طَويلةٌ مُستَقيمةٌ مِنَ الخَشَبِ أوِ الحَديدِ، والقِدْحُ هو السَّهمُ المُعدَّلُ؛ لِشِدَّةِ استِوائِه، أوِ المَعنى: يُبالِغُ في تَسويَتِه، "فرأى صَدرَ رَجُلٍ ناتِئًا" بارِزًا عنِ الصَّفِّ "فقالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا عِبادَ اللهِ، لَتُسوُّنَّ صُفوفَكم" وهذا تَحذيرٌ مِن عَدَمِ تَسويةِ الصُّفوفِ في الصَّلاةِ، والمُرادُ بتَسويةِ الصُّفوفِ اعتِدالُ القائِمينَ بها على سَمتٍ واحِدٍ، "أو لَيُخالِفَنَّ اللهُ بَينَ وُجوهِكم"، أي: لَيُفرِّقَنَّ اللهُ بَينَ مَقاصِدِكم؛ فإنَّ استِواءَ القُلوبِ يَستَدعي استِواءَ الجَوارِحِ واعتِدالَها، فإذا اختَلَفتِ الصُّفوفُ دَلَّ على اختِلافِ القُلوبِ، فلا تَزالُ الصُّفوفُ تَضطَرِبُ وتُهمَلُ حتى يَبتَليَهمُ اللهُ باختِلافِ المَقاصِدِ. ومِن مَعنى تَسويةِ الصَّفِّ: أنَّ حُصولَ الاستِقامةِ والاعتِدالِ مَطلوبٌ ظاهِرًا وباطِنًا، وأنَّ التسويةَ يُرادُ بها سَدُّ الخَلَلِ الذي في الصَّفِّ؛ لِئَلَّا يَتخَلَّلَهمُ الشَّيطانُ فيُفسِدَ صَلاتَهم بالوَسوَسةِ. وفي ذلك مِن حُسنِ الهَيئةِ، وتَمكُّنِهم مِن صَلاتِهم مع كَثرةِ جَمعِهم ما لا يَخفَى؛ فإذا تَراصُّوا وَسِعَ جَميعَهمُ المَسجِدُ، وإذا لم يَفعَلوا ذلك ضاقَ عنهم