حديث جابر بن سمرة السوائي39
مسند احمد
حدثنا حسين بن علي، عن زائدة، عن سماك عن جابر بن سمرة، قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر قعد في مصلاه حتى تطلع الشمس "، قال: " وكان يقرأ في صلاة الفجر ب ق والقرآن المجيد، وكانت صلاته بعد تخفيفا "
كان الصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عنهم يُلاحِظونَ أفعالَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في كلِّ أحوالِه، فيَستنُّونَ بهَدْيِه؛ وخاصَّةً في العِباداتِ، ويَنقُلونَ عنه كلَّ التَّفاصيلِ؛ حتَّى يَتعلَّموا ويُعلِّموا مَن بعْدَهم.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ جابرُ بنُ سَمُرةَ رضِيَ اللهُ عنهما أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان مِن أحوالِ قِراءتِه في صَلاةِ الفَجرِ أنَّه كان يَقرَأُ بسُورةِ(ق)، وفي رِوايةٍ لأحمدَ: «ونَحوِها»؛ أي: كان مِن شأْنِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ القراءةُ بتلكَ السُّورةِ وأمثالِها في الطُّولِ، «وكانتْ صَلاتُه بعدُ تَخفيفًا»؛ أي: كان يُطيلُ قِراءةَ الفَجرِ أكثَرَ مِن غَيرِها.
وقيلَ: أي: بعْدَ هذه المُدَّةِ الَّتي قرَأَ فيها بسُورةِ(ق).
وقيلَ: بلْ ظاهرُه أنَّ هذه السُّورةَ هي مِنَ التَّخفيفِ، وإنَّما أراد بـ(بعْدُ) آخِرَ حالِه، خِلافَ أوَّلِه؛ فإنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يُطوِّلُ أوَّلَ الهِجْرةِ لقِلَّةِ أصْحابِه، ثُمَّ لَمَّا كثُرَ النَّاسُ، وشَقَّ عليهم التَّطويلُ-لكَونِهِم أهْلَ أعْمالٍ؛ مِن تِجارةٍ وزِراعةٍ- أرفَقَ بِهِم.
ومَجموعُ الأحاديثِ الَّتي فيها قِراءةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الفَجرِ تُبيِّنُ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ربَّما كان يُطيلُ القِراءةَ أحيانًا، ويُخفِّفُ القِراءةَ أحيانًا، وأحيانًا يَتوسَّطُ بيْنَ التَّطويلِ والتَّخفيفِ.
ثُمَّ أخبَرَ جابرٌ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان إذا صلَّى الفَجرَ، وفرَغَ منه بالتَّسليمِ؛ جلَسَ في مَكانِه الَّذي صلَّى فيه الفَجرَ حتَّى تَطلُعَ الشَّمسُ، وفي هذا إشارةٌ لبَيانِ أنَّ ذلكَ كان مِن عادتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقدْ ورَدَ مِنَ الرِّواياتِ والأحاديثِ ما يدُلُّ على فضْلِ هذا العمَلِ، وأجْرِه؛ فعندَ التِّرْمِذيِّ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «مَن صلَّى الغَداةَ في جَماعةٍ، ثُمَّ قعَدَ يَذكُرُ اللهَ حتَّى تَطلُعَ الشَّمسُ، ثُمَّ صلَّى رَكعَتينِ؛ كانتْ له كأجْرِ حَجَّةٍ وعُمْرةٍ. قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: تامَّةٍ تامَّةٍ تامَّةٍ».
وبالجُملةِ: فبَقاءُ الإنْسانِ في المسجِدِ للذِّكْرِ والطَّاعةِ أو لانتظارِ الصَّلاةِ، كلُّ ذلكَ مِنَ الأعمالِ الصَّالحةِ، والقُرُباتِ النَّافعةِ؛ ففي الصَّحيحينِ مِن حَديثِ أبي هُرَيرةَ رضِيَ اللهُ عنه: «المَلائكةُ تُصلِّي على أحَدِكُم ما دامَ في مُصَلَّاه الَّذي صلَّى فيه، ما لمْ يُحدِثْ، تَقولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ له، اللَّهُمَّ ارحَمْه».
وفي الحَديثِ: تَرغيبُ الإمامِ في التَّخفيفِ بالمَأْمومينَ في تَمامٍ، وغَيرِ نُقْصانٍ لأَرْكانِها وسُنَنِها.
وفيه: الحَثُّ والتَّرغيبُ في الجلوسِ في المُصلَّى بعْدَ الفَجرِ حتَّى تَطلُعَ الشَّمسُ.