حديث رفاعة بن رافع، عن أبي بن كعب
مسند احمد
حدثنا يحيى بن آدم، قال: حدثنا زهير، وابن إدريس، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن معمر بن أبي حبيبة، (1) عن عبيد بن رفاعة بن رافع عن أبيه، قال زهير، في حديثه: رفاعة بن رافع، وكان عقبيا بدريا، قال: كنت عند عمر، فقيل له: إن زيد بن ثابت يفتي الناس في المسجد، قال زهير في حديثه: الناس برأيه في الذي يجامع ولا ينزل، فقال: أعجل به، فأتي به، فقال: يا عدو نفسه، أو قد بلغت أن تفتي الناس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم برأيك؟ قال: ما فعلت، ولكن حدثني عمومتي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أي عمومتك؟ قال: أبي بن كعب، قال زهير: وأبو أيوب، ورفاعة بن رافع، فالتفت إلى ما يقول هذا الفتى، وقال زهير في حديثه: (2) ما يقول هذا الغلام، فقلت: كنا نفعله في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فسألتم عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: "كنا نفعله على عهده، فلم نغتسل "، قال: فجمع الناس، وأصفق (3) الناس على أن الماء لا يكون إلا من الماء، إلا رجلين: علي بن أبي طالب، ومعاذ بن جبل، قالا: "إذا جاوز الختان الختان، فقد وجب الغسل " قال: فقال علي: يا أمير المؤمنين، إن أعلم الناس بهذا أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل إلى حفصة، فقالت: لا علم لي، فأرسل إلى عائشة، فقالت: "إذا جاوز الختان الختان، وجب الغسل " قال: فتحطم عمر، يعني: تغيظ، ثم قال: "لا يبلغني أن أحدا فعله، ولا يغتسل، (1) إلا أنهكته عقوبة "
في هذا الحديثِ يُخبِرُ أبو مُوسَى الأشعَريُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ جَماعةً منَ المهاجِرين والأنصارِ اختَلَفوا فيما يُوجِب الغُسلَ؛ فقال الأنصارُ -وهُم أهلُ المدينةِ-: لا يَجِبُ الغُسلُ إلَّا منَ الدَّفقِ أو منَ الماءِ، أي: إن جامَعَ الإنسانُ زوجتَه دونَ أن يُنزِلَ المَنيَّ، فلا يَجِبُ عليه غُسلٌ، وقال المُهاجِرون: «بَلْ إذا خالَطَ»، وهي كنايةٌ عن مُبالَغةِ الجِماعِ ومَغيبِ رأسِ الذَّكَرِ، فإنَّ الغُسلَ يكونُ بالجِماعِ سَواءٌ نزَل المَنيُّ أو لم يَنزِل، فقال أبو مُوسَى رَضيَ اللهُ عنه: «أنا أَشْفِيكم من ذلك»، يعني: أُجيبُكم جَوابًا شافيًا، فقام وذهَبَ إلى أُمِّ المُؤمِنين عَائشَةَ رَضيَ اللهُ عنها، فقال لها: «يا أُمَّاهُ، أو يا أُمَّ المُؤمِنِينَ»، وهذا نداءُ تَودُّدٍ لها؛ لأنَّها أمُّ المؤمِنينَ جميعًا، ثُمَّ قالَ: «إنِّي أُرِيدُ أنْ أسْألَكِ عن شَيءٍ، وإنِّي أَسْتَحْيِيكِ»، أي: أصابَني الحَرَجُ أن أسالَكِ، فقالت له: «لا تَسْتَحْيِي أنْ تَسألَني عمَّا كنتَ سائلًا عنه أُمَّكَ الَّتِي وَلَدَتْكَ؛ فإنَّما أنا أُمُّكَ»، كما في قولِ اللهِ تَعالَى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6]، فسَألَها عمَّا يُوجِبُ الغُسلَ، فقالت له: «على الخَبِيرِ سَقَطْتَ»، يَعني صادَفتَ خَبيرًا بحقيقةِ ما سألتَ عنه، عارفًا بخَفِيِّه وجَلِيِّه، حاذقًا فيه، ثُمَّ أخبَرَته أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: «إذا جَلَسَ بيْنَ شُعَبِها الأربَعِ ومَسَّ الخِتانُ الخِتانَ، فقدْ وَجَبَ الغُسلُ»، والشُّعَبُ الأربعُ: هي اليَدانِ والرِّجلانِ، وقيلَ: الرِّجلانِ والفَخِذانِ، وقيلَ غيرُ ذلك، والمُرادُ: إذا جلَسَ الرَّجلُ مِنَ المرأةِ مَوضِعَ الجِماعِ ومَسَّ خِتانُه خِتانَها، والمُرادُ تَلاقي مَوضِعِ القَطعِ منَ الذَّكرِ مع مَوضِعِه من فَرجِ الأُنثى بأن غابَت حَشَفةُ الذَّكرِ في الفَرجِ، وهذا لا يكون إلَّا بالجِماعِ؛ فإنَّ الغُسلَ قد وَجَب بذلك على الرَّجلِ وعلى المرأةِ، ولا يُشتَرطُ الإنزالُ، ويَدُلُّ عليه روايةُ مُسلمٍ من حديثِ أبي هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه: «وإنْ لم يُنزِلْ».
وفي الحديثِ: بيانُ ما كانَ عليه الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم من شِدَّةِ حِرصِهم على العِلمِ، حتَّى يَحصُلَ بينهم مُناقَشةٌ؛ للوُصولِ إلى مَعرفةِ الحقِّ.
وفيه: حُسنُ أدبِ الصَّحابةِ، وتَقديرُ مَكانةِ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها في العِلمِ، واستفادتِهم منها.
وفيه: وُجوبُ الغُسلِ بالتِقاءِ الخِتانَينِ.