حديث زيد بن ثابت، عن النبي صلى الله عليه وسلم15
مسند احمد
حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني نافع، عن ابن عمر، عن زيد بن ثابت، قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة "
جاءَ الإسلامُ لِيَمْحوَ آثارَ الجاهِليَّةِ ومَا فيها مِن بُيوعٍ تُخالِفُ الشَّريعةَ، ويكونُ فيها ظُلمٌ، ولا تَتحقَّقُ فيها المنافِعُ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أنسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنهُ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم نَهى عنِ «المُحاقَلةِ»، وهيَ بَيعُ الحِنطةِ (القَمْحِ) في سُنبلِها بكَيلٍ مَعلومٍ مِن الحِنطةِ الخالصةِ.
ونَهى أيضًا عن «المُخاضَرةِ»، وهي بَيعُ الزَّرعِ وهوَ أَخْضرُ قبْلَ ظُهورِ صَلاحِهِ.
ونَهى عن «المُلامَسةِ»، وهيَ أنْ يَبيعَ البائعُ للمُشتري شَيئًا مِن ثِيابٍ وغَيرِهِ مَطْويًّا في ظُلمةٍ دونَ أنْ يَراهُ جيِّدًا، على أنْ لا خِيارَ له إذا رآهُ، أو أنَّهُ متى لَمَسهُ فقدْ تَمَّ البَيعُ.
ونَهى عن «المُنابَذةِ»، والنَّبْذُ هوَ الإلقاءُ؛ وهيَ أنْ يَقولَ المُشتَري للبائعِ: أيَّ ثَوبٍ نَبَذْتَه إلَيَّ -أي: ألْقَيته إلَيَّ- فأنا آخُذه بكذا، فيَجعَلُ إلقاءَ السِّلعةِ إيجابًا للْبيعِ أوْ إتمامًا لَهُ، وأُلْزِمَ المُشترِي بشِرائِه.
ونَهى عن «المُزابَنةِ»، وهيَ بَيعُ الثَّمرِ في رُؤوسِ النَّخلِ قبْلَ جَنْيِه خَرْصًا، بِالتَّمرِ على الأرضِ، والعِنبِ على الشَّجرِ بالزَّبيبِ. وقد نَهَى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عنها، واستثنى صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن ذلك العَرِيَّةَ، كما في الصَّحيحَينِ مِن حَديثِ زَيدِ بنِ ثابتٍ رَضيَ اللهُ عنه: «أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رخَّصَ لِصاحبِ العَرِيَّةِ أنْ يَبِيعَها بخَرْصِها مِن التَّمْرِ»، وذلك أنَّ مَن لا نَخْلَ له مِن ذَوي الحاجةِ يُدْرِكُ الرُّطَبَ ولا نَقْدَ بِيَدِه يَشتري به الرُّطَبَ لِعيالِه، ولا نَخْلَ له يُطعِمُهم منه، ويكونُ قدْ فَضَلَ له مِن قُوتِه تَمْرٌ، فيَجيءُ إلى صاحِبِ النَّخْلِ فيَقولُ له: بِعْنِي ثَمَرَ نَخلةٍ أوْ نَخلَتينِ بِخرْصِها مِنَ التَّمْرِ، فيُعْطِيهِ ذلك الفاضِلَ مِنَ التَّمْرِ بثَمَرِ تلك النَّخَلاتِ؛ ليُصِيب مِنْ رُطَبِها مع النَّاسِ، فرَخَّصَ فيه إذا كان دُونَ خَمْسةِ أوْسُقٍ، كما في الصَّحيحَينِ مِن حَديثِ أبي هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه، والوَسْقُ: وِعاءٌ مُعيَّنٌ يَسَعُ سِتِّينَ صاعًا.
وفي الحديثِ: النَّهيُ عن المُعاملاتِ الماليَّةِ والمُبابعاتِ التي فيها غَرَرٌ وجَهالةٌ.