حديث سلمة بن الأكوع 23
مسند احمد
حدثني مكي بن إبراهيم، قال: حدثنا يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة بن الأكوع أنه أخبره، قال: خرجت من المدينة ذاهبا نحو الغابة، حتى إذا كنت بثنية الغابة لقيني غلام لعبد الرحمن بن عوف قال: قلت: ويحك، ما لك؟ قال: أخذت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قلت: من أخذها؟ قال: غطفان وفزارة، قال: فصرخت ثلاث صرخات أسمعت من بين لابتيها: يا صباحاه يا صباحاه ثم اندفعت حتى ألقاهم وقد أخذوها، قال: فجعلت أرميهم وأقول:
[البحر الرجز]
أنا ابن الأكوع ... واليوم يوم أقرع،
[ص:42]
قال: فاستنقذتها منهم قبل أن يشربوا، فأقبلت بها أسوقها، فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إن القوم عطاش، وإني أعجلتهم قبل أن يشربوا، فأذهب في أثرهم، فقال: «يا ابن الأكوع، ملكت فأسجح إن القوم يقربون في قومهم»
الغابَةُ موضِعٌ مِنَ المدينةِ على طَريقِ الشَّامِ، وهي اسمٌ للأشجارِ الكَثيفَةِ المُلتَفَّةِ
وكان سَلَمَةُ بنُ الأَكْوَعِ رضِي اللهُ عنه ذاهبًا نحوَ الغابَةِ فلَقِيَ غُلامًا لعَبْدِ الرَّحمنِ بنِ عَوْفٍ، فقال له: وَيْحَك! وهي كَلِمةُ تَرَحُّمٍ، فقال له الغُلامُ: أُخِذَتْ لِقاحُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، واللِّقاحُ هي النَّاقَةُ الحَلوبُ، فسألَه سَلَمَةُ: مَن أَخَذَها؟ فقال: غَطَفانُ وفَزارَةُ، أي: رِجالٌ من هاتين القَبيلتَيْنِ، فصَرَخَ سَلَمَةُ ثَلاثَ صَرْخاتٍ أَسْمَعَ بها ما بين لابَتَيْها، واللَّابَةُ أَرضٌ ذاتُ حِجارةٍ سُودٍ، والمعنى: أنَّه أَسْمَعَ أهلَ المدينَةِ لعُلُوِّ صَوتِه، فقال: يا صَباحاهُ، وهي كلمةُ استغاثةٍ كأنَّه يُنادي النَّاسَ مُستغيثًا بهم في وَقتِ الصَّباحِ، فاندفَعَ وَراءَهم وهو يَرميهم بسِهامِه ويَقولُ
أنا ابنُ الأَكْوَعِ ** واليَومُ يَومُ الرُّضَّعِ ... والرُّضَّعُ جَمعُ راضِعٍ؛ قيل: هو الَّذي رَضَعَ اللُّؤْمَ من ثَدي أُمِّه وغُذِّيَ به، والمعنى: اليومُ يَومُ هَلاكِ اللِّئامِ، فأَدَرَكَ سَلَمَةُ النَّاقَةَ واستَرجَعَها وهَرَبوا هم، فرَجَعَ سَلمَةُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالنَّاقةِ قَبلَ أن يَشرَبوا مِن لَبَنِها، وقال للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ القَوْمَ عِطاشٌ وإنِّي أَعجَلْتُهم أن يَشرَبوا فابْعَثْ في أَثَرِهم، يَعني أنَّهم كانوا عِطاشًا، وقد مَنَعْتُهم مِنَ الشُّربِ فابْعَثْ إليهم مَن يُعاقِبُهم، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «مَلَكْتَ فأَسْجِحْ»، أي قَدَرْتَ عليهم فارْفُقْ وأَحْسِنْ بالعَفوِ ولا تَأخُذْ بالشِّدَّةِ، «إنَّ القَومَ يُقْرَوْنَ في قَومِهم»، يَعني أنَّهم وَصَلوا إلى غَطَفانَ وهُمْ يُضَيِّفونَهم ويُساعِدونهم، فلا فائِدَةَ في البَعثِ في الأَثَرِ؛ لأنَّهم لَحِقُوا بأَصْحابِهم