حديث سلمة بن الأكوع 32
مسند احمد
حدثنا هاشم بن القاسم قال: حدثنا عكرمة، قال: حدثني إياس بن سلمة بن الأكوع، قال: حدثني أبي، قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هوازن، قال: فبينما نحن نتضحى وعامتنا مشاة فينا ضعفة إذ جاء رجل على جمل أحمر فانتزع طلقا من حقبه فقيد به جمله ـ رجل شاب ـ ثم جاء يتغدى مع القوم، فلما رأى ضعفهم ورقة ظهرهم خرج إلى جمله فأطلقه، ثم أناخه فقعد عليه، فخرج يركض واتبعه رجل من أسلم من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم على ناقة ورقاء هي أمثل ظهر القوم فأتبعه، قال: وخرجت أعدو فأدركته ورأس الناقة عند ورك الجمل، وكنت عند ورك [ص:55] الناقة، ثم تقدمت حتى كنت عند ورك الجمل، ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته، فلما وضع ركبته إلى الأرض اخترطت سيفي فأضرب به رأسه فندر، فجئت براحلته وما عليها أقوده، فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا قال: «من قتل الرجل؟» ، قالوا: ابن الأكوع، قال: «له سلبه أجمع»
كان الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم يَرْوُون مِن مَواقفِهم مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ويَحرِصون في ذلك على إبرازِ ما تَرتَّبَ على تلك المواقفِ مِن أحكامٍ وتَشريعاتٍ
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ سَلَمَةُ بنُ الأَكْوَعِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّهم غَزُوا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ «هَوَازِنَ»، وهي قَبِيلةٌ مِن قَبائلِ العَرَبِ كانتْ تَسكُنُ الطائِفَ وما حولَها، وكانت حربُهم في غزوةِ حُنَيْنٍ في السَّنةِ الثَّامنةِ مِن الهجرةِ. قال سَلَمةُ رَضيَ اللهُ عنه: «فبَيْنَا نحن نَتضَحَّى»، أي: نستريحُ ساعةَ الضُّحَى ونأكُل مَعَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذ جاء رجلٌ على جَمَلٍ أَحْمَرَ، «فأنَاخَه»، أي: أَنَامَ جملَه وأرقَدَه، «ثُمَّ انتَزَع طَلَقًا مِن حَقَبِه فقيَّد به الجَمَلَ» أي: انتَزَع حبلًا مِن على بطنِ البعيرِ ثُمَّ قيَّده به. «ثُمَّ تقدَّم يتغدَّى» أي: يَأكُلُ مع القومِ، «وجَعَل يَنظُر»، وكأنَّه يَستطلِعُ أمورَ المسلمين المحارِبِين، وظاهرُه أنَّه دخَلَ في جَيشِ المسْلِمين كأنَّه واحدٌ منهم يَتجسَّسُ عليهم ويَعرِفُ أُمورَهم وعَتادَهم، وفي رِوايةِ البُخاريِّ: «أتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَينٌ مِن المشْرِكين»، وكان في جَيشِ المسْلِمين بعضُ الضُّعفاءِ «ورِقَّةٌ في الظَّهْرِ»، وهذا كنايةٌ عن أنَّ الدَّوابَّ قَليلةٌ وضَعيفةٌ، وكان بعضُهم يَمْشي ليْس له دابَّةٌ يَركَبُها، فانصَرَفَ الرَّجلُ المشْرِكُ «يَشتدُّ»، أي: يُسرِعُ في مَشيِه، «فأتَى جَمَلَه فأَطْلَق قَيْدَه، ثُمَّ أَنَاخَ وقَعَد عليه، فأثارَه» والإثارةُ: إقامةُ الجَملِ مِن مَكانِه، «فاشتدَّ به الجملُ» أي: أسرَعَ لِيَهرَبَ مِن مُعسكَرِ المسْلِمين، فاتَّبعَه رجلٌ على ناقةٍ وَرْقَاءَ، والوَرْقاءُ: هي النَّاقَةُ البيضاءُ. قال سَلَمَةُ بنُ الأَكْوَعُ -وكان رَضيَ اللهُ عنه مِن أسرَعِ النَّاسِ عَدْوًا وجَرْيًا-: «وخرجتُ أشتدُّ، فكنتُ عندَ وَرِكِ النَّاقةِ» يُريدُ: أنَّه مِن سُرعتِه رَضيَ اللهُ عنه دونَ أنْ يَركَبَ شيئًا لَحِقَ بالنَّاقةِ الَّتي عليها الرَّجلُ الَّذي يَلحَقُ بالمشْرِكِ، «ثُمَّ تقدَّمتُ حتَّى كنتُ عندَ وَرِكِ الجَمَلِ» أي: إنَّه سَبَق تلك النَّاقةَ حتَّى لَحِقَ بالمشْركِ وهو على جَملِه، «ثُمَّ تَقدَّمتُ حتَّى أخذتُ بِخِطَامِ الجَملِ فأَنَخْتُه»، والخِطامُ: هو الحَبْلُ الَّذِي يكونُ في أَنْفِ الجَملِ لِيُشَدَّ مِنه ويُقادَ به، «فلمَّا وضَع» الجَملُ «رُكبَتَه في الأرضِ اخْتَرَطْتُ سَيفِي»، أي: سَحَبْتُ سَيفي مِن غِمْدِه وأَمْسَكتُ به، «فضَرَبتُ رأسَ الرَّجُلِ فنَدَر»، أي: فطَار رأسُ الرَّجُلِ وانفصَل عن جَسدِه، ثُمَّ جئتُ بالجَمَلِ أَقُودُه، عليه رَحْلُه وسِلاحُه، فاسْتقبَلنِي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والنَّاسُ معَه، فسَأل صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «مَن قَتَل الرجُلَ؟ قال: ابنُ الأَكْوَعِ، قال: له سَلَبُه أَجْمَعُ»، والسَّلَبُ: مَتاعُ المحارِبِ وما يكونُ معه مِن سِلاحٍ وعُدَّةٍ
وفي الحديثِ: أخْذُ المُجاهِدِ مَتاعَ مَن يَقتُله مِن الكُفَّار بعدَ إذنِ القائدِ
وفيه: قَتلُ الجاسوسِ في الحربِ
وفيه: بيانُ فَضلِ سَلَمةَ بنِ الأكْوعِ رَضيَ اللهُ عنه وسُرعتِه وقُوَّتِه