حديث شداد بن أوس 1
مستند احمد
حدثنا يحيى بن سعيد، عن حسين المعلم، قال: حدثني عبد الله بن بريدة، عن بشير بن كعب، عن شداد بن أوس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني، وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أبوء لك بالنعمة وأبوء لك بذنبي، فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ". قال: «إن قالها بعدما يصبح موقنا بها ثم مات كان من أهل الجنة، وإن قالها بعدما يمسي موقنا بها ثم مات كان من أهل الجنة»
اللهُ عزَّ وجلَّ رَحيمٌ بعِبادِه، غَفورٌ لذُنوبِهم، وعلى المُسلِمِ أنْ يَحرِصَ على طلَبِ رَحمةِ اللهِ، ويُداوِمَ على الاستغفارِ
وفي هذا الحديثِ بَيانٌ مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأفضَلِ صِيَغِ الاستِغفارِ وأحَبِّها إلى اللهِ تعالَى، وأكثَرِها ثَوابًا، وأَرْجاها في القَبولِ؛ فأخبَر صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ «سيِّدَ الاستغفارِ»، أي: أفْضَلَ صِيَغ الاستغفار وأكثرَها ثَوابًا، وسُمِّيَ سَيِّدًا لأنَّه جامِعٌ لِمَعانِي التَّوبةِ كلِّها، وهو قَولُ المُسلمِ: «اللَّهُمَّ أنتَ ربِّي، لا إله إلَّا أنتَ، خَلَقْتَني»، فهذا إقرارٌ بتَفرُّدِ اللهِ تعالَى بالرُّبوبِيَّةِ والأُلوهِيَّةِ وبالخَلْقِ، ثُمَّ أقرَّ بخُضوعِه وعُبودِيَّتِه للهِ تعالَى فقال: «وأنا عبدُك»، ومِن تَمامِ العُبوديَّةِ: الالتزامُ بالعهْدِ الَّذِي أُخِذ عليه بالالتزامِ بالتَّوحيدِ والشَّرعِ أمرًا ونَهْيًا، فقال: «وأنا على عَهْدِك ووَعْدِك»، ومَعْناه: وأنا على ما عاهَدْتُكَ عليه، وواعَدْتُكَ منَ الإيمانِ بكَ، وإخْلاصِ الطَّاعةِ لكَ. والوعدُ ما جاء في الصَّحيحَيْنِ على لِسانِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «مَن ماتَ لا يُشرِكُ باللهِ شَيئًا دخَلَ الجَنةَ»، فأخبَر بأنَّه مُصدِّقٌ مُؤمِنٌ بوَعْدِ اللهِ تعالَى بالثَّوابِ على عَملِه، وقائمٌ بكلِّ ما كلَّفَه اللهُ به، وبكلِّ ما وَعَده، ثُمَّ قَيَّد هذا بالقُدرة، فقال: «ما استَطَعْتُ»، فالْتِزامُه بكلِّ هذا بِحَسَبِ القُدرةِ والاستطاعةِ، وفي هذا إقرارٌ منه بضَعْفِه وحاجتِه لتَوفيقِ مَوْلَاه؛ ولهذا قال: «أعُوذ بِكَ»، أي: أَحتمِي وألجأُ إليك، «مِن شَرِّ ما صنَعْتُ»، والمرادُ به العذابُ المترتِّبُ على الذُّنوبِ والمعاصي التي تؤدِّي بالإنسانِ إلى الهَلَكةِ في الآخِرةِ، و«أَبُوءُ»، أي: أَعترِفُ «لك بنِعمتِك عليَّ، وأَبُوءُ»، أي: أَعترِفُ «لك بِذَنْبِي، فاغْفِرْ لي؛ فإنَّه لا يَغفِرُ الذُّنوبَ إلَّا أنتَ»، وفي هذا إقرارٌ بالذَّنْبِ، وأنَّه مِن صُنعِ المرْءِ نفْسِه، وقدْ أقرَّ واعترَفَ بأنَّه لا يَغفِرُ الذُّنوبَ إلَّا اللهُ؛ لِكَمَالِ مُلكِه، ولذا استَعاذ به مِن شَرِّ صَنِيعِه، وبيَّن بقوْلِه: «أَبُوءُ لكَ بنِعمَتِك علَيَّ» أنَّ عِصيانَه لم يكُنْ جُحودًا لنِعَمِ اللهِ عليه، بلْ هو مُقِرٌّ بها، وأنَّ مَعصِيَتَه كانتْ عن هَوًى وجَهْلٍ. ثُمَّ بيَّن صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أجْرَ هذا الذِّكرِ، فقال: «ومَن قالها مِن النَّهارِ مُوقِنًا بها» أي: بكُلِّ ما تَضمَّنَتْه مِن مَعانٍ وبثَوابِها، «فمَات مِن يَومِه قبْلَ أنْ يُمْسِيَ، فهو مِن أهْلِ الجنَّةِ، ومَن قالها مِن اللَّيْلِ وهو مُوقِنٌ بها، فمات قبْلَ أن يُصبِحَ، فهو مِن أهلِ الجنَّةِ» الداخِلينَ إليها مع السابقِينَ، أو مِن غَيرِ سابِقةِ عذابٍ
وفي هذا الحَديثٌّ وتَرغيبٌ وتَأكيدٌ على قَولِ هذا الذِّكرِ يَوميًّا نَهارًا وليْلًا